باب فى حق المملوك
حدثنا عثمان بن أبى شيبة حدثنا جرير عن الأعمش عن المعرور بن سويد قال رأيت أبا ذر بالربذة وعليه برد غليظ وعلى غلامه مثله قال فقال القوم يا أبا ذر لو كنت أخذت الذى على غلامك فجعلته مع هذا فكانت حلة وكسوت غلامك ثوبا غيره. قال فقال أبو ذر إنى كنت ساببت رجلا وكانت أمه أعجمية فعيرته بأمه فشكانى إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال « يا أبا ذر إنك امرؤ فيك جاهلية ». قال « إنهم إخوانكم فضلكم الله عليهم فمن لم يلائمكم فبيعوه ولا تعذبوا خلق الله ».
الإسلام دين الأخلاق العالية والآداب السامية مع الناس كلهم حتى مع الخدم، وهو دين لم يفرق بين الناس ولم يمايز بينهم بالأنساب ولا الأحساب، ولا بالعرق ولا باللون، وإنما التمايز بالتقوى والعمل الصالح، وفي هذا الحديث أن أبا ذر رضي الله عنه كان قد شتم رجلا وعيره بأمه بقوله: يا ابن الأعجمية أو يا ابن السوداء، أو نحو ذلك، فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وبخه على ذلك وقال له منكرا عليه: «أعيرته بأمه؟!» فشتمته ونسبته إلى العار بأمه؛ «إنك امرؤ فيك جاهلية» فالسب والشتم والتعيير صفة من صفات الجاهلية، وهذا زجر عن هذا الفعل وتقبيح له.ثم قال له النبي صلى الله عليه وسلم معلما ومؤدبا ومعرفا حقوق الخدم: «إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم»، أي: خدمكم وعبيدكم الذين يلون أموركم ويصلحونها من المسلمين هم إخوانكم في الدين، جعلهم الله سبحانه وتعالى تحت سلطانكم؛ «فمن كان أخوه تحت يده، فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم»، فلا تطلبوا منهم من العمل ما لا يستطيعون فعله، فإن أمرتموهم بشيء من ذلك فعليكم إعانتهم. فلما سمع أبو ذر رضي الله عنه هذا الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبس خادمه ثيابا مثله، كما رآه المعرور بن سويد في الربذة -وهو موضع قريب من المدينة- عليه حلة، وهي ثوبان: إزار ورداء، وعلى خادمه حلة؛ امتثالا لما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم
وفي الحديث: تقبيح أمور الجاهلية وأخلاقها، وأنها زائلة بالإسلام
وفيه: الحث على الإحسان إلى الرقيق والخدم ومن في معناهم؛ كالأجير وغيره، والرفق بهم
وفيه: ترك الترفع على المسلم واحتقاره
وفيه: فضيلة ظاهرة لأبي ذر رضي الله عنه، وبيان لحسن استجابته لأمر النبي صلى الله عليه وسلم