مسند أبي هريرة رضي الله عنه 345
مسند احمد
قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج» ، قالوا: وما الهرج يا نبي الله؟ قال: «القتل»
وقتُ قِيامِ الساعةِ لا يَعلَمُ مِيقاتَه إلَّا اللهُ عزَّ وجلَّ؛ فقدِ اختصَّ اللهُ سُبحانَه نفْسَه بذلك، ومع ذلك فقدْ جَعَلَ عَلاماتٍ على قُربِ الساعةِ؛ ليَحذَرَ المُسلِمُ ويَعمَلَ لهذا اليومِ الشَّديدِ
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُنا النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ مِن عَلاماتِ قُربِ قِيامِ السَّاعةِ أنْ يُرفَعَ العِلمُ النَّافعُ المُقترِنُ بالعَملِ الصَّالحِ، ويَذهَبَ مِن الأرضِ بقَبْضِ أهْلِه؛ فقِلَّتُه بمَوتِهم لا بمَحْوِه مِن الصُّدورِ، فيَتَّخِذُ النَّاسُ عند ذلك رُؤوسًا جُهَّالًا يَتحمَّلون في دِينِ اللهِ برَأيِهم، ويُفتُون بجَهْلِهم، فيَتمكَّنُ الجهلُ مِن النَّاسِ، ويَفْشو بينهم، وتَنتشِرُ الفِتَنُ والاختلافاتُ والفُرقةُ، ويَنتُجُ عن ذلك زَوالُ الخَشيةِ مِن القلوبِ، فيَكثُرُ «الهَرْجُ»، فلمَّا سأَلَ الناسُ عن معْنى الهَرْجِ، أشارَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بيَدِه إشارةً يُفهَمُ منها أنَّه القَتْلُ وسَفْكُ الدِّماءِ بِغَيْرِ حَقٍّ، ووَرَدَ تَفسيرُه واضحًا في الصَّحيحينِ: «قَالوا: يا رَسولَ اللهِ، وما هو؟ قال: «القَتْلُ القَتْلُ»، والمعنى: تكونُ الفِتَنُ واختِلافُ الأُمورِ هي ما تَتسبَّبُ في كَثرةِ القتْلِ بيْن المسلِمينَ، كما في رِوايةِ ابنِ ماجهْ مِن حَديثِ أبي مُوسى الأَشعريِّ رَضيَ اللهُ عنه، وفيه أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: «ليس بقتْلِ المشركينَ، ولكنْ يَقتُلُ بَعضُكم بَعضًا، حتى يَقتُلَ الرجُلُ جارَه، وابنَ عمِّه وذا قَرابتِه»
وفي الحديثِ: أنَّ قدَرَ اللهِ تعالى قد سبَقَ أنْ يكونَ خَرابُ الأرضِ عَقِيبَ كَثرةِ الفسادِ فيها
وفيه: الحثُّ على تَعلُّمِ العِلمِ؛ فإنَّه لا يُرفَعُ إلَّا بقَبْضِ العُلماءِ
وفيه: علَمٌ مِن أعلامِ نُبوَّتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ