باب فى رد الوسوسة
حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا سهيل عن أبيه عن أبى هريرة قال جاءه ناس من أصحابه فقالوا يا رسول الله نجد فى أنفسنا الشىء نعظم أن نتكلم به أو الكلام به ما نحب أن لنا وأنا تكلمنا به. قال « أوقد وجدتموه ». قالوا نعم. قال « ذاك صريح الإيمان ».
مِنَ الأمورِ التي تُفسِدُ القلبَ الخواطرُ السَّيِّئةُ التي قد تَصِلُ إلى التَّفكيرِ في ذاتِ اللهِ لا في نِعَمِه وآلائهِ، والتَّمادي في هذِه الخواطرِ قد يؤدِّي إلى الكُفرِ والهلاكِ؛ فيَجِبُ على المُسلمِ إذا خَطَرت له هذه الأفكارُ أن يَستعيذَ باللهِ تَعالَى مِنها.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ أبو هُريرةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه جاءَ ناسٌ من أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَسألُوهُ: «إنَّا نَجِدُ في أنفُسِنا ما يَتعاظَمُ أحدُنا أنْ يتَكلَّمَ» بذلكَ الشِّيءِ؛ بسببِ غايةِ قُبحِه وإنكارِنا له في الواقعِ، لكنَّه يَأتينا في خَواطِرَ، مِثلُ: مَن خَلَقَ اللهَ؟ وكيفَ هو؟ ومن أيِّ شيءٍ هو؟ وما أشبَهَ ذلك؛ لِعِلمِنا أنَّه لا يَليقُ شيءٌ منها أن نَعتَقِدَه، وقد خَشيَ الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم أن تَكُونَ مِثلُ تِلك الوَساوسِ ما يُعَدُّ ذنبًا، فسألَهم صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «وقد وجدْتُموهُ؟» تقريرًا وتأكيدًا منه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ مِثلَ هذا قد يَحصُلُ للمُؤمِنِ، والمَعنى: هل وَجَدتُم ما يُلقيه الشَّيطانُ في نُفوسِكُم، ثُمَّ دَفعَكُم إيمانُكُم عنِ السُّؤالِ عن حُكمِه؟ «قالوا: نَعَمْ. قالَ: ذاكَ صَريحُ الإيمانِ»،
أي: إنَّ إنكارَكُم لتلكَ الأفكارِ السَّيِّئةِ العَظيمةِ التي يَتسبَّبُ فيها الشَّيطانُ، وعِلمَكم بفسادِ تِلك الوَساوسِ، وامتناعَ نُفوسِكم، وتَجافيَها عنِ التَّفوُّه بها -دَليلٌ على صِدقِ الإيمانِ لدَيكم، ومَا فَعلتُموه هو الإيمانُ الحقيقيُّ، ودَليلٌ على خُلوصِ أنفُسِكم منَ التَّشبيه والتَّعطيلِ؛ لأنَّ الكافرَ يُصِرُّ على ما في قلبِه من تَشبيهِ اللهِ سُبحانه وتعالَى بالمخلوقاتِ، ويَعتقِدُه حَسنًا، فمَنِ استَقبَحَها وتَعاظَمَها -لعِلمِه بقُبحِها، وأنَّها لا تَليقُ به تَعالَى- كان مُؤمِنًا صادقًا، بعَدمِ التَّفكُّرِ في ذاتِ اللهِ، وتركِ اللَّهَثِ وَراءَ الشَّيطانِ؛ وذلكَ أنَّ الشَّيطانَ يُلقي الشُّبهاتِ في قُلوبِ النَّاسِ بأنَّ اللهَ هو الخالقُ، فمَنِ الذي خلَقَهُ؟ والمؤمِنُ الحقُّ يُلقي هذه الشُّبُهاتِ خَلفَ ظَهرِه ويَطرَحُها، ويَستعيذُ باللهِ مِنَ الشَّيطانِ، لكنَّ مَن يَسهُلُ عليه أن يَتكلَّمَ بمِثلِ هذه الأمورِ، أو تأتي شُبَهٌ فيُطلِقُها ويَتبنَّاها ويَدعو إليها؛ فهذا هو الذي أصابَه البلاءُ منَ الشَّيطانِ، بحيثُ أغوَاه في الدَّاخلِ، ثُمَّ تَجاوَزَ الحدَّ إلى أن أظهَرَ ذلك وتبنَّاه ودعا إليه.
وفي الحديثِ: بيانُ أنَّ الشَّيطانَ يُوسوِسُ لابنِ آدمَ حتى يُخرِجَه مِنَ الإيمانِ، فليَحذَرِ المؤمِنُ.
وفيه: بَيانُ مَوقِفِ المؤمِنِ من وَساوسِ الشَّيطانِ وإلقائه الشُّبهاتِ بأن يَصمُتَ ولا يَتكلَّمَ بذلكَ، بل يَستعيذُ باللهِ.
وفيه: بيانُ ما كانَ عليه الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم من شِدَّةِ اهتمامٍ في الحَذَرِ من قُلوبِهم وما يَنقُصُ إيمانَهم.
وفيه: مَشروعيَّةُ سؤالِ العالِمِ في كلِّ ما يُصيبُ الإنسانَ، وأنَّه لا يَنبغي له أن يَسكُتَ، وإن كانَ ممَّا يُستحَيا منه عادةً؛ لأنَّه لا حياءَ في مَعرفةِ الحقِّ.