باب فى سرد الحديث
حدثنا محمد بن منصور الطوسى حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهرى عن عروة قال جلس أبو هريرة إلى جنب حجرة عائشة - رضى الله عنها - وهى تصلى فجعل يقول اسمعى يا ربة الحجرة مرتين. فلما قضت صلاتها قالت ألا تعجب إلى هذا وحديثه إن كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليحدث الحديث لو شاء العاد أن يحصيه أحصاه.
على المعلم أن يترفق بطلابه بالوسائل اللازمة؛ حتى يتسنى للمتعلم تحصيل أكبر قدر من العلم، ومن تلك الوسائل التأني في إلقاء العلم وطريقة الكلام
وفي هذا الحديث يقول عروة بن الزبير، "جلس أبو هريرة" رضي الله عنه في المسجد النبوي، إلى جنب حجرة عائشة وهي تصلي، "فجعل" أبو هريرة رضي الله عنه يقول: "اسمعي" لكي تصدقي حديثي، "يا ربة الحجرة"، أي: يا صاحبة الحجرة؛ وهي عائشة الصديقة رضي الله عنها "مرتين"، أي: يقول تلك الجملة مرتين، "فلما قضت" أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، "صلاتها" التي كانت تصليها وانتهت منها، وكان أبو هريرة رضي الله عنه قد انتهى من حديثه وقام، "قالت" عائشة: "ألا تعجب"، أي: تتعجب يا عروة؛ وهو ابن الزبير وابن أختها أسماء بنت أبي بكر "إلى هذا"، أي: أبي هريرة رضي الله عنه، "وحديثه" الذي يسرده سردا متتاليا مسرعا ومتعجلا به! "إن كان" حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "ليحدث الحديث" بالتأني والترسل والفصاحة والبيان، "لو شاء"، أي: لو أراد "العاد"؛ الذي يستمع إلى كلامه أن يعد الكلمات التي تكلم بها، "أن يحصيه"، أي: يعد هذه الكلمات، "أحصاه" واستقصاه بالعد؛ وذلك لشدة تأنيه صلى الله عليه وسلم في الكلام والترسل وعدم الإسراع فيه، أو لقلة كلامه صلى الله عليه وسلم بخلاف ما كان يفعله أبو هريرة من الإكثار من التحديث؛ فكأن أم المؤمنين أيدت ما قاله وحدث به؛ بإقرارها ذلك وسكوتها عليه، ولم تنكر عليه شيئا من ذلك سوى الإكثار من الرواية في المجلس الواحد؛ لمخالفته هدي النبي صلى الله عليه وسلم في طريقة حديثه، وقد يحصل بسبب كثرة الكلام أيضا سهو أو نحوه
وفي الحديث: التأني في الكلام؛ لكي يفهمه الغير على الوجه الصحيح، وخاصة لمن يعلم غيره