باب فى صلاة الليل
حدثنا على بن حسين الدرهمى حدثنا ابن أبى عدى عن بهز بن حكيم حدثنا زرارة بن أوفى : أن عائشة - رضى الله عنها - سئلت عن صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فى جوف الليل فقالت : كان يصلى صلاة العشاء فى جماعة ثم يرجع إلى أهله فيركع أربع ركعات ثم يأوى إلى فراشه وينام وطهوره مغطى عند رأسه وسواكه موضوع حتى يبعثه الله ساعته التى يبعثه من الليل فيتسوك ويسبغ الوضوء ثم يقوم إلى مصلاه فيصلى ثمان ركعات يقرأ فيهن بأم الكتاب وسورة من القرآن وما شاء الله ولا يقعد فى شىء منها حتى يقعد فى الثامنة ولا يسلم ويقرأ فى التاسعة ثم يقعد فيدعو بما شاء الله أن يدعوه ويسأله ويرغب إليه ويسلم تسليمة واحدة شديدة يكاد يوقظ أهل البيت من شدة تسليمه ثم يقرأ وهو قاعد بأم الكتاب ويركع وهو قاعد ثم يقرأ الثانية فيركع ويسجد وهو قاعد ثم يدعو ما شاء الله أن يدعو ثم يسلم وينصرف فلم تزل تلك صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى بدن فنقص من التسع ثنتين فجعلها إلى الست والسبع وركعتيه وهو قاعد حتى قبض على ذلك -صلى الله عليه وسلم-.
( حتى بدن ) : بتشديد الدال من التبدين وهو الكبر والضعف أي مسه الكبر ( فنقص من التسع ) : الذي كان يصلي متصلا بتشهد أو تشهدين ( ثنتين ) : مفعول نقص ( فجعلها ) : أي الصلاة التي نقصت من التسع ( إلى الست ) : فجعلها إلى ست ركعات بغير الوتر ( والسبع ) : أي إلى السبع ركعات مع الوتر ( وركعتيه ) : أي إلى الست وركعتيه وإلى السبع وركعتيه . فالست والسبع باعتبار ضم الوتر وحذفه . ( وليس ) : هذا الحديث الذي فيه بهز عن زرارة عن سعد ( في تمام حديثهم ) : يشبه أن يكون المعنى أي من جيد أحاديثهم من جهة الإسناد ; لأن ابن أبي عدي ويزيد بن هارون ومروان بن معاوية كلهم قالوه عن بهز بن حكيم عن زرارة عن عائشة بحذف واسطة سعد ، وأما حماد بن سلمة فقال عن بهز عن زرارة عن سعد بن هشام عن عائشة ، وهذا البحث في حديث بهز دون قتادة ، لكن قال المنذري : وروى أبو داود عن زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام عن عائشة وقال ليس في تمام حديثهم هذا آخر كلامه . ورواية زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام عن عائشة هي المحفوظة ، وعندي في سماع زرارة من عائشة نظر ، فإن أبا حاتم الرازي قال قد سمع زرارة من عمران بن حصين ومن أبي هريرة ومن ابن عباس . قلت أيضا : قال هذا ما صح له وظاهر هذا أنه لم يسمع عنده من عائشة انتهى كلام المنذري
قال النووي : قال القاضي في حديث عائشة من رواية سعد بن هشام قيام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بتسع ركعات ، وحديث عروة عن عائشة بإحدى عشرة منهن الوتر يسلم من كل ركعتين وكان يركع ركعتي الفجر ، ومن رواية هشام بن عروة وغيره عن عروة عنها ثلاث عشرة بركعتي الفجر ، وعنها كان لا يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة أربعا أربعا وثلاثا ، وعنها كان يصلي ثلاث عشرة ثمانيا ثم يوتر ثم يصلي ركعتين وهو جالس ثم يصلي ركعتي الفجر ، وقد فسرتها في الحديث الآخر منها ركعتا الفجر ، هذه روايات مسلم وغيره . وعنها في البخاري أن صلاته بالليل سبع وتسع
وعند الشيخين من حديث ابن عباس أن صلاته ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الليل ثلاث عشرة ركعة وركعتين بعد الفجر سنة الصبح ، وفي حديثزيد بن خالد أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ صلى ركعتين خفيفتين ثم طويلتين وذكر الحديث ، وقال في آخره فتلك ثلاث عشرة . قال العلماء في هذه الأحاديث إخبار كل واحد من ابن عباس وزيد وعائشة بما شاهد
وأما الاختلاف في حديث عائشة فقيل هو منها وقيل من الرواة عنها ، فيحتمل أن إخبارها بإحدى عشرة هو الأغلب وباقي رواياتها إخبار منها بما كان يقع نادرا في بعض الأوقات فأكثره خمس عشرة بركعتي الفجر وأقله سبع ، وذلك بحسب ما كان يحصل من اتساع الوقت أو ضيقه بطول قراءة أو لنوم أو عذر مرض وغيره أو في بعض الأوقات عند كبر السن أو تارة تعد الركعتين الخفيفتين في أول قيام الليل وتعد ركعتي الفجر تارة وتحذفهما تارة أو تعد أحدهما وقد تكون عدت راتبة العشاء مع ذلك تارة ، وحذفتها تارة . قال القاضي : ولا خلاف أنه ليس في ذلك حد لا يزاد عليه ولا ينقص منه ، وإن صلاة الليل من الطاعات التي كلما زاد فيها زاد الأجر ، وإنما الخلاف في فعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وما اختاره لنفسه انتهى ملخصا