باب فى قضاء النذر عن الميت
حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا عبد الله بن عطاء عن عبد الله بن بريدة عن أبيه بريدة : أن امرأة أتت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت : كنت تصدقت على أمى بوليدة وإنها ماتت وتركت تلك الوليدة. قال : « قد وجب أجرك ورجعت إليك فى الميراث ». قالت : وإنها ماتت وعليها صوم شهر. فذكر نحو حديث عمرو.
كان الصحابة رضوان الله عليهم يستفتون رسول الله صلى الله عليه وسلم في كثير من عباداتهم ومعاملاتهم، فيفتيهم، ويظهر لهم أوجه الصواب
وفي هذا الحديث يروي بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه أنه كان ذات مرة جالسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءته امرأة، فأخبرته أنها تصدقت على أمها في حياتها بجارية، وهي الأمة المملوكة، فملكتها إياها بالصدقة، ثم ماتت أمها وتركت تلك الجارية من جملة المال الذي تملكه، وكانت الوارثة لها بنتها؛ فهل يحق للبنت أن تأخذ الجارية وتعود في ملكها بالميراث أم لا؟ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «وجب أجرك»، أي: ثبت أجرك عند الله بالصلة والصدقة على أمك، ورد الجارية وأرجعها إليك ميراثك من أمك، وهو سبب لا دخل لك فيه؛ فلا يكون سببا لنقصان الأجر في الصدقة، وهذا ليس من باب الرجوع في الصدقة والهبة؛ لأنه ليس أمرا اختياريا
فقالت المرأة السائلة: إنه كان على أمها صيام شهر -وفي رواية: «شهرين»- فهل تصوم عنها؟ -ولم يبين أنه صوم رمضان، أو نذر، أو كفارة- فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «صومي عنها»، أي، اقضي عنها الأيام التي تركتها أمك؛ لأنه دين في رقبتها، ودين الله أحق أن يقضى. وقد شبه النبي صلى الله عليه وسلم في رواية في الصحيحين الصوم الذي على الميت بالدين، وهو واجب القضاء؛ لأنه حق للآدميين، والصيام الواجب -سواء كان رمضان، أو بنذر، أو كفارة- حق لله تعالى، فكان قضاء حقه تعالى أوثق وأولى من قضاء حق الآدميين، والله أحق بالوفاء، كما ورد في بعض الروايات عند البخاري. وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه»، والمراد بالولي: عصبته من الرجال من الآباء والأبناء، وللولي إذا لم يقض عنه الصوم أن يطعم عنه لكل يوم مسكينا، ويسقط بهذا عن الميت ذلك الفرض الذي عليه، ويكون قضاؤه عنه بمنزلة قضائه هو عن نفسه، وهذا لمن قدر على الوفاء أو القضاء ولم يفعل، وأما إن مات قبل أن يتمكن من القضاء -كمن استمر به المرض حتى مات- فلا شيء عليه، ولا يقضي أولياؤه عنه شيئا، ولا يجب الإطعام عنه
ثم أخبرته المرأة أن أمها ماتت ولم تحج قط، وظاهره أنها كانت قادرة على الحج، فوجب عليها؛ لأن الحج ساقط عمن ليس عنده استطاعة، ولكنها لم تحج؛ فهل يصح أن تحج عنها؟ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «حجي عنها». ولعل سماح النبي صلى الله عليه وسلم لها بالحج نيابة عن أمها، مفهوم منه أن المرأة قد حجت عن نفسها أولا، ثم أرادت أن تحج عن أمها؛ لحديث أبي داود عن ابن عباس رضي الله عنهما: «أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول: لبيك عن شبرمة. قال: من شبرمة؟ قال: أخ لي، أو قريب لي. قال: حججت عن نفسك؟ قال: لا. قال: حج عن نفسك، ثم حج عن شبرمة»، وفي صحيح ابن خزيمة: «هذه عنك، ثم حج عن شبرمة». فإذا وجب الحج على شخص ومات قبل أدائه، ثم أدى شخص آخر هذا الحج عنه؛ سقط عنه. وهذا لا يبعد في كرم الله وفضله أنه إذا حج الولي عن الميت أن يعفو الله عن الميت بذلك، ويثيبه عليه، أو لا يطالبه بتفريطه
وفي الحديث: أن من تصدق بشيء ثم ورثه، فله أخذه والتصرف فيه، من غير أن ينقص أجره بذلك
وفيه: الصيام عن الميت
وفيه: النيابة في الحج عن الميت
وفيه: بر الوالدين بقضاء نذرهما ودينهما