باب فى كراهية التمادح
حدثنا أبو بكر بن أبى شيبة حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن منصور عن إبراهيم عن همام قال جاء رجل فأثنى على عثمان فى وجهه فأخذ المقداد بن الأسود ترابا فحثا فى وجهه وقال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- « إذا لقيتم المداحين فاحثوا فى وجوههم التراب ».
أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم لما فيه الخير والهدى، والصلاح للنفوس والقلوب، والدين والدنيا والآخرة، وفي هذا الحديث يقول التابعي عبد الرحمن بن جبير بن نفير: "مدحك أخاك في وجهه"، والمراد بالمادح هنا: هم الذين اتخذوا مدح الناس عادة، وجعلوه بضاعة يستأكلون به الممدوح ويفتنونه، فأما من مدح الرجل على الفعل الحسن والأمر المحمود، يكون منه ترغيبا له في أمثاله، وتحريضا للناس على الاقتداء به في أشباهه؛ فليس بمداح وإن كان قد صار مادحا بما تكلم به من جميل القول فيه، "كإمرارك على حلقه موسى رميضا- أي: شديدا-"؛ فالرميض، هو الحديد الماضي، من رمض السكين يرمضه إذا دقه بين حجرين ليرق، والمراد: كأنك تذبحه بسكين حاد ذبحا شديدا؛ لما يجره من الشعور بالخيلاء مع الغرور، فينتكس المرء عن دينه وخلقه، كما أن المدح يفسد القلوب، ويعظم النفوس حتى يستحقروا غيرهم؛ فكل ذلك كأن المرء الممدوح ذبح. قال عبد الرحمن: "ومدح رجل ابن عمر رضي الله عنه في وجهه، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: احثوا"، أي: ألقوا وارموا، "في وجوه المداحين التراب، ثم أخذ ابن عمر التراب، فرمى به في وجه المادح، وقال: هذا في وجهك- ثلاث مرات-". فحمل عبد الله بن عمر الحديث على ظاهره ووافقه طائفة، وكانوا يحثون التراب في وجه المادح حقيقة، وقال آخرون: معناه: خيبوهم، فلا تعطوهم شيئا لمدحهم