باب فى كراهية المراء
حدثنا عثمان بن أبى شيبة حدثنا أبو أسامة حدثنا بريد بن عبد الله عن جده أبى بردة عن أبى موسى قال كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا بعث أحدا من أصحابه فى بعض أمره قال « بشروا ولا تنفروا ويسروا ولا تعسروا ».
الإسلام دين الوسطية؛ فقد جاء بالتيسير على العباد، ولم يحملهم ما لا يطيقون ولا يستطيعون، وحذر من التكلف والتشدد
وفي هذا الحديث أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأمرين ونهى عن ضدهما؛ فأمر بالتيسير، ونهى عن ضده وهو التعسير، فمن يسر على مسلم في أي شيء من أمور الدنيا كالمعاملات، أو في أمور الدين كالعبادات، أو في أي شيء ما دام في نطاق الحق ولم يخرج عنه؛ يسر الله تعالى عليه. ويكفي في هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الخلق وأقدرهم على طاعة الله؛ ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما، ما لم يكن حراما.والأمر الثاني: التبشير والإخبار بالخير، وهو عكس النذارة، وهي الإخبار بالشر والمبالغة في الترهيب والتخويف المؤدي إلى النفور؛ فمعنى: «بشروا، ولا تنفروا» بشروا الناس -أو المؤمنين- بفضل الله تعالى، وثوابه، وجزيل عطائه، وسعة رحمته، ولا تنفروا بذكر التخويف، وأنواع الوعيد، فيتألف من قرب إسلامه بترك التشديد عليهم، وكذلك من قارب البلوغ من الصبيان، ومن بلغ وتاب من المعاصي؛ يتلطف بجميعهم بأنواع الطاعة قليلا قليلا، كما كانت أمور الإسلام على التدريج في التكليف شيئا بعد شيء؛ لأنه متى يسر على الداخل في الطاعة، أو المريد للدخول فيها؛ سهلت عليه، وتزايد فيها غالبا، ومتى عسر عليه أوشك ألا يدخل فيها، وإن دخل أوشك ألا يدوم، أو لا يستحملها. وفي هذا توجيه للدعاة ومن يقومون على أمور الدين بأن يقدموا ما فيه التيسير والتبشير والترغيب، سواء ما في الإسلام من محاسن ومرغبات، وما عند الله عز وجل في الآخرة من جنات ونعيم.وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بين خيري الدنيا والآخرة؛ لأن الدنيا دار الأعمال، والآخرة دار الجزاء، فأمر فيما يتعلق بالدنيا بالتسهيل، وفيما يتعلق بالآخرة بالوعد بالخير والإخبار بالسرور؛ تحقيقا لكونه رحمة للعالمين في الدارين