باب فى لزوم السنة
حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا ثور بن يزيد قال حدثنى خالد بن معدان قال حدثنى عبد الرحمن بن عمرو السلمى وحجر بن حجر قالا أتينا العرباض بن سارية وهو ممن نزل فيه (ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه) فسلمنا وقلنا أتيناك زائرين وعائدين ومقتبسين. فقال العرباض صلى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال قائل يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا فقال « أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبدا حبشيا فإنه من يعش منكم بعدى فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتى وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ».
كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو أصحابه إلى الخير ويحذرهم من الشر، ويعظهم ويذكرهم بين الحين والآخر
وفي هذا الحديث يقول عبد الرحمن بن عمرو السلمي، وحجر بن حجر: "أتينا العرباض بن سارية"، أي: جئنا إليه، "وهو ممن نزل فيه" هذه الآية: {ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه} [التوبة: 92]، أي: لا أجد ولا أملك من المراكب من الفرس والإبل ونحوها المعدة للجهاد؛ لأعطيه لكم لتجاهدوا عليها، قالوا: "فسلمنا"، أي: ألقينا عليه السلام، وقلنا: "أتيناك زائرين وعائدين"؛ من العيادة للمريض، "ومقتبسين"، أي: محصلين نور العلم منك، فقال العرباض: "صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، ثم أقبل علينا"، أي: بوجهه، "فوعظنا موعظة بليغة"، أي: حدثنا وذكرنا بقول موجز وفيه معان كثيرة، "ذرفت منها العيون"، أي: سالت منها الدموع، "ووجلت منها القلوب"، أي: خافت ورهبت.
قال: "فقال قائل"؛ من الحاضرين: "يا رسول الله، كأن هذه موعظة مودع"، أي: موعظة مسافر عند الوداع، "فماذا تعهد إلينا؟"، أي: بماذا توصي إلينا؟ فقال: "أوصيكم بتقوى الله"؛ وذلك بفعل الواجبات وترك المحرمات، "والسمع والطاعة"، أي: للأمراء، "وإن عبدا حبشيا"، أي: وإن كان هذا الأمير أو الوالي عبدا حبشيا؛ "فإنه من يعش منكم بعدي"، أي: بعد موتي، "فسيرى اختلافا كثيرا"؛ في الدين، وغيره، ثم أرشدهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى أنفع علاج عند وقوع الاختلاف الكثير، فقال: "فعليكم بسنتي"، أي: طريقتي ونهجي، "وسنة الخلفاء المهديين الراشدين"، أي: الذين هداهم الله وأرشدهم إلى الحق، والمقصود بهم الخلفاء الراشدون الأربعة: أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين، "تمسكوا بها"، أي: بسنتي وسنة الخلفاء، وأفرد لفظ (بها) مع أنها تعود على اثنتين؛ لأنهما كشيء واحد، "وعضوا عليها بالنواجذ"، أي: آخر الأضراس؛ يعني بذلك الجد في لزوم السنة والتمسك بها، "وإياكم"، أي: احذروا واجتنبوا، "ومحدثات الأمور"، أي: الأمور التي تحدث بعد ذلك وتخالف أصل الدين؛ "فإن كل محدثة" في دين الله وشرعه، "بدعة"، أي: طريقة مخترعة في الدين، "وكل بدعة ضلالة"، أي: موجبة للضلالة والغواية، ويضل بها صاحبها.
وفي الحديث: الحث والتأكيد الشديد على التمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم وسنة الخلفاء الراشدين، والنهي عن الابتداع في الدين والتحذير الشديد من ذلك.