باب في آيات نبوة النبي صلى الله عليه وسلم وما قد خصه الله عز وجل به2
سنن الترمذى
حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا يزيد بن هارون قال: حدثنا سليمان التيمي، عن أبي العلاء، عن سمرة بن جندب، قال: " كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نتداول في قصعة من غدوة حتى الليل يقوم عشرة ويقعد عشرة، قلنا: فما كانت تمد "؟ قال: «من أي شيء تعجب ما كانت تمد إلا من هاهنا وأشار بيده إلى السماء»: «هذا حديث حسن صحيح» وأبو العلاء اسمه: يزيد بن عبد الله بن الشخير
لقدْ جعَل اللهُ عزَّ وجلَّ آياتٍ لنَبيِّه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم؛ تَثبيتًا له فيما تَحمَّلَ مِن أعباءِ الرِّسالةِ، وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "إنَّ بمَكَّةَ حَجرًا كان يُسلِّمُ علَيَّ لياليَ بُعِثتُ"، أي: كان الحجَرُ يُلْقي السَّلامَ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم في أوَّلِ البَعثةِ.
وفي روايةٍ أخرى أنَّ الحجَرَ كان يُسلِّمُ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم قبلَ أن يُبعَثَ بالرِّسالةِ، وهذا مِن بابِ أنَّ بعضَ الجَماداتِ تُميِّزُ ويَجعَلُ اللهُ فيها التَّمييزَ بحسَبِه، كما ورَد في الحَجرِ الَّذي فرَّ بثَوبِ موسى عليه السَّلامُ، وكما قال اللهُ عن الحجارةِ: {وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [البقرة: 74]، وكما قال سبحانَه: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء: 44]، وكلُّ ذلك بقُدرَةِ اللهِ، وبالكيفيَّةِ الَّتي أرادَها.
وهذا الحجر؛ قيل: إنَّه هو الحجَرُ الأسودُ، وقيل: البارِزُ بزِقاقِ المرفقِ، وعليه أهلُ مكَّةَ سلَفًا وخَلفًا، قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "إنِّي لأَعرِفُه الآنَ"، أي: إنَّه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يَعرِفُه ويُحدِّدُه ويُميِّزُه بين أحجارِ مكَّةَ، وقيل: بل كان استِحضارًا له، كأنَّه يَسمَعُه الآنَ.
وفي الحَديثِ: مُعجزةٌ وعلامةٌ مِن عَلاماتِ نُبوَّتِه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم.
وفيه: إثباتُ تَمييزِ الجَماداتِ.