باب في ادعاء الولد 2
سنن ابن ماجه
حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا محمد بن بكار بن بلال الدمشقي، أخبرنا محمد بن راشد، عن سليمان بن موسى، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه
عن جده، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "كل مستلحق استلحق بعد أبيه الذي يدعى له، ادعاه ورثته من بعده، فقضى: أن من كان من أمة يملكها يوم أصابها فقد لحق بمن استلحقه، وليس له فيما قسم قبله من الميراث شيء، وما أدرك من ميراث لم يقسم فله نصيبه، ولا يلحق إذا كان أبوه الذي يدعى له أنكره، وإن كان من أمة لا يملكها، أو من حرة عاهر بها، فإنه لا يلحق ولا يرث (2)، وإن كان الذي يدعى له هو ادعاه، فهو ولد زنى، لأهل أمه من كانوا، حرة أو أمة" (3).
لَمَّا جاءَ الإسلامُ حدَّد الطَّريقةَ المُثلَى لإثباتِ الأنسابِ ونَظَّم العلاقاتِ أحسنَ تَنظيمٍ، وقَضَى على العاداتِ السيِّئةِ التي كانتْ في الجاهليَّةِ.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ عبدُ اللهِ بنُ عمرٍو رَضِي اللهُ عنهما: "إنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم قَضى"، أي: أمَرَ "أنَّ كلَّ مُستَلحَقٍ استُلحِقَ بعدَ أبيه الَّذي يُدْعى له ادَّعاه ورَثتُه"، والاستِلحاقُ: هو طَلَبُ الوَرثةِ أن يُلحِقوا نَسبَ ولَدِ الزِّنا بِأبيهِم بَعْدَ موتِ أَبِيهم، " "، أيِ: النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم "أنَّ كلَّ مَن كان مِن أمَةٍ يَملِكُها"، أي: أبوهم "يومَ أصابَها"، أي: كان يَملِكُها يومَ حمَلَت مِنه، "فقد لَحِق بمَنِ استَلحَقه"، أي: ثمَّ ادَّعاه الورَثةُ لِيُلحَقَ بهِم ويَكونَ مِنهُم فقد لَحِق بهم، "وليس له ممَّا قُسِم قبلَه مِن الميراثِ شيءٌ"، أي: وإن لُحِق بهِم بعدَ تقسيمِ الميراثِ فليسَ له شيءٌ مِن هذا الميراثِ، ولا يُقسَمُ له معَ الورَثةِ.
ثمَّ قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم: "وما أدرَك مِن مِيراثٍ لم يُقسَمْ فله نَصيبُه"، أي: إذا ألحقَه الورَثةُ بهم قبلَ تَقسيمِ الميراثِ، فله نَصيبُه، ويُقسَمُ له معَهم، "ولا يُلحَقُ"، أي: ذلك الولَدُ الَّذي يُريدُ الورَثةُ إلحاقَه بهِم، "إذا كان أبوه الَّذي يُدْعى له أنكَرَه"، أي: إذا أَنكرَه أبوهُم الذي يُنسَب له قبلَ موتِه؛ فلَيس للورَثةِ أن يَدْعوه لأبيهِم.
"وإنْ كان"، أي: الولدُ، "مِن أَمَةٍ لم يَملِكْها- كابنِ وليدةِ زَمعةَ- أو مِن حُرَّةٍ عاهَرَ بها"، أي: أو مِن حُرَّةٍ زَنَا بها، "فإنَّه لا يُلحَقُ به ولا يَرِثُ"، أي: فإنَّه لا يُلحَقُ به ولا يَرِث، بل لو استلْحَقَه الواطئُ لم يُلحَقْ به، فإنَّ الزِّنا لا يُثبِتُ النَّسَبَ، وكذلك لا يُلحَقُ بأبيهم كلُّ ولدٍ كان مِن زِنًا بأَمَةٍ أو بحُرَّةٍ.
ققال صلَّى الله عليه وسلَّم: "وإنْ كان الَّذي يُدْعى له هو ادَّعاه، فهو وَلَدُ زنْيةٍ مِن حرَّةٍ كان أو أمَةٍ"، أي: ولو كان الأبُ هو الَّذي ادَّعاه أُلْحِقَ الولدُ به قَبلَ موتِه، فإنَّه كذلِك لا يُلحَقُ بالورَثةِ، وإنِ ادَّعَوْه بادِّعاءِ أبيهِم؛ "فهو ولدُ زِنيةٍ مِن حُرَّةٍ كان أو أَمَةٍ"، أي: وإنْ ثبَت نِسبتُه لأبيهم؛ إلَّا أنَّ الحائلَ في ذلك أنَّه ولد زِنًا، وقد ورَدَ عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنّه قال: "الولدُ للفراشِ وللعاهرِ الحَجرُ"، أي: وللزاني الخيبةُ والحِرمانُ، ولا حقَّ له في الولدِ، والعرب تُكني عن حِرمانِ الشخصِ بقولها: له الحجرُ، وله الترابُ.
وفي رِوايةٍ: "وذلك فيما استُلحِقَ في أوَّلِ الإسلامِ"، أي: وتلك الأحكامُ لِمَن استُلحِقَ قبلَ الإسلامِ، "فما اقتُسِم مِن مالٍ قبلَ الإسلامِ فقَد مَضى"، أي: نفَذَ ولا يُرَدُّ إلى حُكمِ الإسلامِ، فإنْ لم يكُنْ أنكَره، فإنْ كان مِن أمَتِه لَحِقَه، وورِثَ منه ما لم يُقسَمْ بعدُ مِن مالِه، ولم يَرِثْ ممَّا قُسِم قبلَ الاستلحاقِ، وقد قضَى رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم بهذه الأحكامِ في أوائلِ الإسلامِ في أوَّلِ زمانِ الشريعةِ، وكان أهلُ الجاهليَّةِ لهم إماءٌ تُساعِينَ وهنَّ البغايا، وكان ساداتهنَّ يُلمُّون بهنَّ ولا يَجتنبوهنَّ، فإذا جاءتِ الواحدةُ مِنهنَّ بولدٍ وكان سيِّدها يَطؤُها وقد وطِئَها غيرُه بالزِّنا فربَّما ادَّعاه الزاني وادَّعاه السيِّدُ، فحَكَم صلَّى الله عليه وسلَّم بالولدِ لسيِّدها؛ لأنَّ الأمَةَ فراشٌ له كالحُرَّة، ونفاهُ عن الزَّاني.