باب في الحرام, وقوله عز وجل (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك) والاختلاف فيه 1

بطاقات دعوية

باب في الحرام, وقوله عز وجل (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك) والاختلاف فيه 1

عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال إذا حرم الرجل عليه امرأته فهو (4) يمين يكفرها ولقد كان لكم في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة. (م 4/ 184

بيَّن اللهُ عزَّ وجَلَّ لعبادِه ما أحلَّ لهم وما حرَّم عليهم، ومن لوازمِ العُبوديَّةِ أن يَقِفَ العَبدُ عند أمْرِه سُبحانَه وتعالى، فيَقبَلَ منه سُبحانَه ما أحَلَّه له، ويجتَنِبَ ما حرَّمه عليه، ولا يتجاوَزَ ذلك بتحليلِ حرامٍ أو تحريمِ حَلالٍ.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ عبدُ اللهِ بنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: «في الحرامِ يُكَفَّرُ»، أي: إذا حرَّم العَبدُ على نَفْسِه ما أحلَّ اللهُ له، كما لو قال: حرامٌ علَيَّ أكْلُ اللَّحمِ، أو نحوُ ذلك؛ فإنَّه يُكفِّرُ كَفَّارةَ يَمينٍ ويَأتي ما أحلَّه اللهُ له. كما وقع مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عندما حرَّم على نَفْسِه شُرْبَ العَسَلِ عند أمِّ المُؤمِنينَ زينبَ بنتِ جَحشٍ رَضِيَ اللهُ عنها، لَمَّا أخبَرَتْه أمُّ المُؤمِنينَ عائشةُ وحَفصةُ رَضِيَ اللهُ عنهما أنهما يَجِدانِ منه رِيحَ المغافيرِ، والمغافيرُ: صَمغٌ حُلوٌ له رائحةٌ كَريهةٌ، فحلف صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ألَّا يشرَبَه ثانيةً؛ قال اللهُ تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [التحريم: 1، 2]، كما في الصَّحيحينِ.
وذكر ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ هذه هي سُنَّةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهو القُدوةُ لِسائرِ المسلمينَ، وذكر قَولَ اللهِ تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21]، وكَلِمةُ {أُسْوَةٌ} فيها قراءتانِ مُتواتِرتان: بضَمِّ الهمزةِ وكَسْرِها، والمعنى واحِدٌ.
وكفَّارةُ اليمينِ بيَّنَها اللهُ تعالَى في قولِه: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة: 89].
وفي الحَديثِ: جانِبٌ مِن فِقهِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنه.