باب في الحلق والتقصير
بطاقات دعوية
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اللهم اغفر للمحلقين قالوا يا رسول الله وللمقصرين قال اللهم اغفر للمحلقين قالوا يا رسول الله وللمقصرين قال اللهم اغفر للمحلقين قالوا يا رسول الله وللمقصرين قال وللمقصرين. (م 4/ 81
بيَّنَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَناسِكَ الحجِّ بأقوالِه وأفعالِه، ونَقَلَها لنا الصَّحابةُ الكرامُ رَضيَ اللهُ عنهم بكلِّ تَفاصيلِها؛ حتى يكونَ الناسُ على بيِّنةٍ مِن أمْرِ عِبادتِهم.
وفي هذا الحديثِ يَحكي ابنُ عمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كرَّرَ الدُّعاءِ للذينَ يَحلِقون شَعْرَهم في مَناسِكِهم أنْ يَرحَمَهم اللهُ تعالَى، وكان ذلك في حَجَّةِ الوداعِ في السَّنةِ العاشرةِ مِن الهِجرةِ، أو في عامِ الحُديْبيَةِ، أو فيهما جميعًا.
فسَأَلَه الصَّحابةُ أنْ يَدْعو للمُقصِّرين مِثلَ ما دَعا للمُحلِّقين، فأجابَهُم لذلك وقال: «والمُقصِّرين»، في المرَّةِ الثانيةِ، أو الثالثةِ، أو الرابعةِ. والحلْقُ: هو إزالةُ شَعرِ الرَّأسِ بالكُلِّيةِ، والتَّقصيرُ: هو قصُّ أطْرافِ شَعرِ الرأسِ؛ فدلَّ ذلك على مَشروعيَّةِ الأمرَين، إلَّا أنَّ الحلْقَ أفضَلُ مِن التَّقصيرِ بالنِّسبةِ للرِّجالِ؛ لأنَّه فِعلُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولأنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ قدَّمَه في كِتابِه فقال: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [الفتح: 27]، وهو أبلَغُ في العِبادةِ، وأبيَنُ للخُضوعِ والذِّلَّةِ، وأدلُّ على صِدْقِ النيَّةِ، والذي يُقَصِّرُ يُبقِي على نفْسِه شَيئًا ممَّا يَتزيَّنُ به، بخلافِ الحالِقِ؛ فإنَّه يَشعُرُ بأنَّه تَرَكَ ذلك للهِ تعالَى، وفيه إشارةٌ إلى التجَرُّدِ للهِ عزَّ وجلَّ. والحلْقُ يكونُ للرِّجالِ فقطْ، أمَّا النِّساءُ فليس لهم إلَّا التَّقصيرُ.
والحلْقُ أو التَّقصيرُ في الحجِّ شَعيرةٌ مِن شَعائرِ الحجِّ، وبه يَتحلَّلُ المُحرِمُ مِن إحرامِه، ويكونُ بعْدَ رمْيِ جَمرةِ العقَبةِ، وبعْدَ ذَبْحِ الهدْيِ إنْ كان معه، وقبْلَ طَوافِ الإفاضةِ. وفي العُمرةِ يكونُ بعْدَ السَّعيِ بيْن الصَّفا والمَروةِ.
وفي الحديثِ: الدُّعاءُ بالرحمةِ للأحياءِ، وأنَّ ذلك ليسَ مقصورًا على الأمواتِ، بل تكونُ الرحمةُ للأحياءِ والأمواتِ.