باب في الحوض 1
بطاقات دعوية
عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"أمامكم حوض كما بين جرباء (48) وأذرح".
الكَوثرُ والحوضُ مِن فَضلِ اللهِ الَّذي أعطاهُ لنَبيِّه محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يوْمَ القيامةِ؛ زِيادةً في إكرامِهِ ولُطفِه به وبأُمَّتِه، وسيَشرَبُ منه المُؤمِنون الموحِّدون باللهِ عزَّ وجَلَّ، المتَّبِعون لهَدْيِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يوْمَ القيامةِ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أصحابَه والمسْلِمين أنَّه يَنتظِرُهم في الآخرةِ ويوْمِ القيامةِ، «حَوْضٌ» والحُوضُ هو الشَّيءُ أو المكانُ الَّذي يُجْمَعُ فيها الماءُ، وسَعةُ هذا الحوضِ ما بيْنَ ناحِيتَيْهِ «كما بيْنَ جَرْبَاءَ وأَذْرُحَ» وهما مَوضعانِ مِن أعمالِ عَمَّانَ مِن أرضِ الشَّامِ قُربَ جِبالِ السَّراةِ مِن ناحيةِ الحجازِ، وبيْنهما مِيلٌ واحدٌ، وأذْرُحَ هي اليومَ في جَنوبِ الأُردنِّ بيْنَ الشُّوبكِ ومَعانَ، وقيل: هُما في حُكمِ مَوضعٍ واحدٍ، وقدْ يُستعمَلانِ مُتقارِبَين، كالقُدسِ والخليلِ، فيكونُ في الكلامِ اختصارٌ تَقديرُه: كما بيْنَ المدينةِ وجَرْبَاءَ وأذْرُحَ، وهذا قَريبٌ مِن رِوايةِ أبي سَعيدٍ رَضيَ اللهُ عنه عندَ ابنِ ماجْه: «كما بيْنَ الكعبةِ وبَيتِ المقدِسِ». وتلك مُبالَغةٌ لبَيانِ سَعةِ الحوضِ؛ لأنَّه قدْ وَرَدَت رِواياتٌ أُخرى تُوصِفُ سَعةَ الحوضِ بمُدنٍ أُخرى، ولعلَّ ذلك تَقديرٌ منه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لكلِّ طائفةٍ بما كانت تَعرِفُ مِن مَسافاتِ مَواضعِها، فيقولُ هذا لأهلِ الشَّامِ، ويقولُ لأهلِ اليمنِ: مِن صَنْعاءَ إلى عَدَنَ، وتارةً أُخرى يُقدِّرُه بالزَّمانِ فيقولُ: مَسِيرةُ شَهرٍ.
وقوله: «فيه أَبَارِيقُ» وهي الأكوابُ والكِيزانُ وما يُعَدُّ مِن أدواتِ الشُّربِ؛ فإنَّ عَدَدَها كَثيرٌ «كَنُجومِ السَّماءِ» في كثْرتِها، «مَن وَرَدَه» أي: مَن جاءهُ يوْمَ القيامةِ مِن المؤمِنينَ، فشَرِبَ منه «لمْ يَظْمَأْ بَعْدَها أبَدًا» فلا يَشعُرُ بالعَطَشِ بعْدَها؛ لأنَّه يَرْوي ويَشبَعُ مِن ماءِ الحوضِ الَّذي يَأتي ماؤهُ مِن الجنَّةِ.
وفي الحديثِ: إثباتُ الحوضِ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في الآخرةِ، وبيانُ عَظمتِه واتِّساعِه.
وفيه: بيانُ مَنزلةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وقَدْرِه عندَ ربِّه وتَشريفِه لَه.