باب في الدلالة الي خير 4
بطاقات دعوية
(وعن أنس رضي الله عنه أنّ فتى من أسلم) أبي القبيلة وهو كما قال الحازمي في كتاب الأنساب: أسلمبن أفصىبن حارثةبن عمروبن عامربن عويمربن عمر، كذا ساقه البرقي.
وقال خليفةبن خياط: أسلمبن أفصىبن حارثةبن امرىء القيسبن ثعلبةبن المازنبن الأزدبن الغوث، وهم خلق كثير من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من العلماء ورواة الحديث اهـ.
قلت وعلى القول الثاني جرى الأصفهاني في كتاب «لبّ الألباب مختصر كتاب الأنساب» للسمعاني (قال: يا رسول الله إني أريد الغزو وليس معي ما أتجهز به) الجهاز: ما يحتاج إليه المسافر (قال: ائت فلاناً فإنه كان قد تجهز) للغزو (فمرض) فتأخر له. ففيه الدلالة على الخير، وفيه أن من نوى صرف شيء في خير وتعذر عليه استحب له بذله في خير آخر ولا يلزمه ذلك إلا بالنذر (فأتاه فقال: رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقرئك) بضم التحتية (السلام ويقول لك: أعطني الذي تجهزت به) أي: إعانة لي على الخير (فقال) مسارعاً لامتثال أمر المصطفى (يا فلانة) كناية عن اسم المرأة، وقد تقدم بسط فيه عن «التهذيب» للمصنف (أعطيه الذي تجهزت به) أي: من الراحلة والزاد وغيره مما هيأه مما يحتاجه المسافر (ولا تحبسي) تؤخري (منه شيئاً، فوا لا تحبسين) في نسخة بحذف النون، فإن ثبتت رواية خرجت على أنها لمناسبة ما قبلها كما خرّج على ذلك قوله : «لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا» الحديث على أن حذف النون لغير الجازم والناصب لغة حكاها المصنف وغيره (منه شيئاً فيبارك) بالنصب (ا لك فيه) لأنه تصرف فيه على خلاف رضا مالكه وهواه، لأنه أمر بدفعه أجمع لمن أرسله النبي ، فإذا خالفت وحبست منه بعض الشيء تستكثره له لا يبارك لها فيه (رواه مسلم). وفي الحديث دلالته لذلك المنقطع على ذلك الذي تجهز ثم ترك للمرض، ففيه مناسبة الترجمة.
الجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمة الله في الأرض، ولحماية العقيدة والدفاع عن الدين، والتجهيز لذلك من القربات التي ينبغي للمسلم أن يحرص عليها
وفي هذا الحديث يروي أنس بن مالك رضي الله عنه أن فتى من قبيلة أسلم العربية قال: «يا رسول الله، إني أريد الغزو»، يعني تلبية لما كان صلى الله عليه وسلم يفعله من حضهم على الجهاد، والدفاع عن عقيدتهم، ونشر دعوتهم، لكن الفتى أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يملك ما يتجهز به، فأتاه ليعينه على غزوه، فدله النبي صلى الله عليه وسلم على رجل كان قد تجهز ثم حال بينه وبين الخروج للغزو مرض، وأمره أن يذهب إليه ويطلب منه ما كان قد جهز به نفسه للغزو؛ ليغزو به هذا الفتى الذي لا يجد ما يتجهز به
فذهب إليه وأخبره بما قاله له النبي صلى الله عليه وسلم، فخاطب الرجل المريض زوجته أو أمته وأمرها أن تعطيه جميع جهازه، «ولا تحبسي عنه شيئا» فنهاها عن منع شيء مما كان سيخرج هو به، «فوالله، لا تحبسي منه شيئا» قليلا ولا كثيرا «فيبارك لك فيه» أي: إن الله عز وجل سينزع البركة منه إن أبقيت منه شيئا
وفي الحديث: حسن تدبير النبي صلى الله عليه وسلم أمور أصحابه
وفيه: أن من حبس مالا على عمل صالح ثم عجز عنه لمرض أو غيره، فإنه يصرف ذلك المال لمن يقوم بهذا العمل، ولا يأخذ منه شيئا؛ حتى يكون شريكا للعامل
وفيه: سرعة امتثال الصحابي وثقته بوعد الله ورسوله؛ حيث نهى زوجته أن تحبس شيئا