باب في القدر 9
سنن ابن ماجه
حدثنا علي بن محمد، حدثنا خالي يعلى، عن الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد
عن جابر، قال: جاء رجل من الأنصار إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله، إن لي جارية أعزل عنها؟ قال: سيأتيها ما قدر لها".
فأتاه بعد ذلك، فقال: قد حملت الجارية! فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ما قدر لنفس شيء إلا هي كائنة" (1).
مَقاديرُ الخَلائقِ كُلُّها بيَدِ اللهِ وَحْدَه؛ فهو عَلَّامُ الغُيوبِ، وعلى المُسلِمِ أنْ يَتوَكَّلَ على اللهِ، ويَأخُذَ بالأسْبابِ، ثمَّ يُفوِّضَ أمْرَه إلى اللهِ تعالَى.
وفي هذا الحديثِ يَرْوي جابرُ بنُ عبدِ اللهِ رَضِي اللهُ عنهما أنَّ رجلًا جاءَ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يَسألُه عنِ العَزلِ، وأنَّ له أَمةً يَعزِلُ عنها مَخافةَ أنْ تَحمِلَ؛ فهلْ يَجوزُ له العَزلُ عَنها أمْ لا؟ والعَزلُ يكونُ بنَزْعِ الذَّكَرِ مِن فَرْجِ المَرْأةِ قبْلَ الإنْزالِ، ويُنزِلُ الرَّجلُ خارِجَ الفَرْجِ؛ مَنعًا لحُدوثِ الحَمْلِ، فأَجابَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: «إنَّ ذلكَ لنْ يَمنَعَ شيئًا أَرادَه اللهُ»، ومعناهُ: أنَّ اللهَ تَعالى إذا قَدَّر خَلْقَ نفْسٍ فَلا بدَّ مِن خَلقِها، وأنَّه قد يَسبِقُكم الماءُ والمَنِيُّ فَلا تَقدِرون عَلى دَفعِه، وَلا يَنفعُكمُ الحِرصُ عَلى ذلكَ؛ فقدْ يَسبِقُ الماءُ مِن غيرِ شُعورِ العازلِ لِتَمامِ ما قَدَّره اللهُ، وما مِن نفْسٍ كائنةٍ في عِلمِ اللهِ تعالَى أنَّها ستُولَدُ إلَّا وهي كائنةٌ في الواقعِ، سَواءٌ حدَثَ العَزْلُ أو لم يَحدُثْ، وكذلك قدْ يُوجَدُ الإنزالُ ولا يكونُ ولَدٌ؛ فالعَزْلُ أوِ الإنزالُ مُتَساوِيانِ في ألَّا يَكونَ منه ولَدٌ إلَّا بتَقْديرِ اللهِ تعالَى.
ثمَّ بعْدَ مدَّةٍ جاءَ ذلك الرَّجلُ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، وذَكرَ لَه مِن شأنِ الجاريةِ الَّتي كان يَعزِلُ عنها، وأنَّها قدْ حَمَلتْ، فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: «أَنا عبدُ اللهِ ورَسولُه»، أي: إنَّ ما أَقولُ لكُم حقٌّ، فَاعتَمِدوه واستَيقِنوه؛ فإنَّه يَأتي مِثلَ فَلَقِ الصُّبحِ.
وفي الحَديثِ: حِرصُ الصَّحابةِ على تَعلُّمِ أُمورِ دِينِهم مِن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم.