باب في المنافقين ليلة العقبة وعددهم
بطاقات دعوية
عن أبي الطفيل قال كان بين رجل من أهل العقبة وبين حذيفة بعض ما يكون بين الناس فقال أنشدك بالله كم كان أصحاب العقبة (1) قال فقال له القوم أخبره إذ (2) سألك قال كنا نخبر أنهم أربعة عشر فإن كنت منهم فقد كان القوم خمسة عشر وأشهد بالله أن اثني عشر منهم حرب لله ولرسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد وعذر ثلاثة قالوا ما سمعنا منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا علمنا بما أراد القوم وقد كان في حرة فمشى فقال إن الماء قليل فلا يسبقني إليه أحد فوجد قوما قد سبقوه فلعنهم يومئذ. (م 8/ 123)
كان الكفَّارُ والمنافِقون يَتربَّصون بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِيَقتُلوه أو يُصيبُوه بأذًى، ولكنَّ اللهَ سُبحانه حَفِظَ نَبيَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن شَرِّ ما أرادُوه به
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ أبو الطُّفَيلِ عامرُ بنُ واثلةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه كانَ بَينَ رَجُلٍ مِن أهلِ العَقبةِ -قيل: اسْمُه وَدِيعةُ بنُ ثابتٍ- وبيْنَ حُذيفَةَ بنِ اليَمانِ رَضيَ اللهُ عنه بَعضُ ما يَكونُ بينَ النَّاسِ منَ المُغاضبَةِ والمخالفَةِ، وهَذه العَقبةُ لَيستِ العَقبَةَ المَشهورَةَ بمِنًى الَّتي كانت بها بَيعَةُ الأَنصارِ رَضيَ اللهُ عنهم، وإنَّما هَذه عَقبَةٌ على طَريقِ تَبوكَ اجْتَمَعَ المُنافقون فيها للغَدْرِ برَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في غَزوَةِ تَبوكَ، وتَفصيلُ ذلك رواهُ أحمدُ في مُسنَدِه؛ وذلك أنَّه لَمَّا أَقبَلَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن غَزوَةِ تَبوكَ في السَّنةِ التَّاسعةِ مِن الهجرةِ، وكانت ضِدَّ الرُّومِ، أَمَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُناديًا، فَنادى في النَّاسِ: «إنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أَخَذَ» طَريقَ «العَقبةِ، فلا يَأخُذْها أحدٌ»، والعقبةُ هي الطَّريقُ بيْنَ جَبَلينِ، فَلمَّا أَخَذَها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وسار فيها، تعَرَّضوا له وهم مُتلَثِّمُونَ يُغَطُّون وُجوهَهم؛ لِئَلَّا يُعْرَفوا، وأرادوا به سوءًا ليَقتُلوه، فلَم يُقدِرْهمُ اللهُ تَعالَى عليه
فقالَ هذا الرَّجلُ لحُذَيْفَةَ رَضيَ اللهُ عنه: «أَنْشُدُك باللَّهِ» أي: أَستَحلِفُك باللهِ، كَم كان عددُ أَصحابِ العَقبةِ؟ فقالَ القَومُ الحاضِرون لِحُذيفةَ رَضيَ اللهُ عنه: أَخبِرْه إذا سَألكَ واستَحْلَفَكَ باللهِ، فأخبَرَ حُذَيفةُ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ عَددَهم على ما أُخبِرَ به كانوا أربعَةَ عَشَرَ، وعَبَّر بالمجهولِ؛ طَلبًا للسَّترِ، وإلَّا فحُذَيفةُ رَضيَ اللهُ عنه يَعلَمُهم يَقينًا؛ لأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أخبَرَه بأسمائهِم وأعيانِهِم، ثُمَّ قال حُذَيفةُ رَضيَ اللهُ عنه للرَّجُلِ: فإنْ كُنتَ أيُّها الرَّجلُ مِن أصحابِ العَقَبةِ حِينئِذٍ، فَقَدْ كانَ القَومُ خَمسَةَ عَشَرَ، ثمَّ قال حُذيفَةُ رَضيَ اللهُ عنه: «وأَشهَدُ باللهِ أنَّ اثْنَي عَشَرَ» مِن هؤلاء المنافِقِين مُحارِبون للهِ ولِرسولِه في الحَياةِ الدُّنيا؛ لأنَّهم أرادوا قتْلَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ «ويَومَ يَقومُ الأَشهادُ»، أي: إنَّهم طُبِعَ على قُلوبِهم بالنِّفاقِ فَلا يَرجِعونَ عن عَداوَتِهم للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فيُعذَّبون على نِفاقِهم في الآخرة، وعَذَرَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ثَلاثةً منهم ورفَعَ عنهم اللَّومَ؛ لأنَّهم تَبِعوا غيْرَهم بسُوءِ فَهمٍ، وقالوا: ما سَمِعْنا مُناديَ رَسولِ اللهِ الَّذي نادَى: خُذوا بَطنَ الوادي، وبأنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أخَذَ العقَبةَ، فلا يَأخُذْها أحدٌ، ولا عَلِمْنا بِما أرادَ المُنافِقونَ الَّذين أخَذُوا العقَبةَ مِنَ المَكرِ والفتْكِ برَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وقَدْ كانَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في «حَرَّةٍ»، وهي الأَرضٍ ذاتِ حِجارةٍ سودٍ، فَمَشى فيها، وعَلِم أنَّ هناك ماءً قليلًا، فَقالَ: «إنَّ الماءَ قَليلٌ» لا يَكفي الجيشَ، «فَلا يَسبِقْنِي إليه أَحدٌ» بالاغترافِ والأخذِ منه حتَّى آتِيَه فأدْعُوَ اللهَ عليه، فيَكثُرَ الماءُ ويَفيضَ ببَركتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، إلَّا أنَّ بعْضَهم قَد سَبَقوه إلى ذلك الماءِ؛ عِصيانًا لأمرِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَلَعَنَهم صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ودَعا عليه بالطَّردِ مِن رَحمةِ اللهِ؛ لمُخالَفَتِهم أَمْرَه، ولأنَّهم تَسبَّبوا في ذَهابِ البَركَةِ عنِ الماءِ القَليلِ
وفي الحديثِ: مَعرفةُ حُذَيفةَ بنِ اليَمانِ رَضيَ اللهُ عنه بأسماءِ وعدَدِ المنافِقِين الَّذين أرادوا قتْلَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.