باب في بيان كثرة طرق الخير 10
بطاقات دعوية
عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش، فوجد بئرا فنزل فيها فشرب، ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى (1) من [ص:62] العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان قد بلغ مني، فنزل البئر، فملأ خفه ماء ثم أمسكه بفيه حتى رقي، فسقى الكلب، فشكر الله له، فغفر له» قالوا: يا رسول الله، إن لنا في البهائم أجرا؟ فقال: «في كل كبد رطبة أجر». (2) متفق عليه. (3)وفي رواية للبخاري: «فشكر الله له، فغفر له، فأدخله الجنة» وفي رواية لهما: «بينما كلب يطيف بركية قد كاد يقتله العطش إذ رأته بغي (4) من بغايا بني إسرائيل، فنزعت موقها فاستقت له به فسقته فغفر لها به».الموق»: الخف. و «يطيف»: يدور حول «ركية»: وهي البئر.
أمر الله عز وجل بالرحمة لجميع المخلوقات، وجعل الإسلام دين الرحمة والإحسان، ومن شدة عناية الإسلام بهذا المبدأ العظيم، فإنه أمر بالإحسان لكل شيء حتى للحيوان، ووعد على ذلك بالأجر الجزيل
وفي هذا الحديث يحكي أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: بينما رجل -ظاهر هذه القصة أنها وقعت في الأمم السابقة- يمشي، فاشتد عليه العطش، فنزل بئرا، فشرب منها، ثم خرج من البئر، فرأى كلبا يلهث، أي: يرتفع نفسه بين أضلاعه، أو يخرج لسانه، يأكل الثرى، أي: يلعق بفمه الأرض الندية بسبب العطش. فقال الرجل: لقد أصاب هذا الكلب من العطش مثل ما أصابني، فنزل البئر فملأ خفه -والخف: ما يلبس في الرجلين من جلد رقيق- ثم أمسكه بفمه؛ ليصعد بيديه من البئر، وذكر الخف، وطريقة صعود الرجل، وإمساكه للخف بفمه؛ كل هذا لبيان عسر ومشقة المرتقى من البئر، وامتهان الرجل لنفسه لسقيا الكلب، واستعمل الرجل خفه؛ لبيان اجتهاده وحرصه على بذل ما معه، فلما صعد الرجل بالماء سقى الكلب، والله سبحانه وتعالى هو المطلع على فعله، فشكر الله عز وجل للرجل صنيعه، فغفر له ذنبه، وفي رواية للبخاري: «فأدخله الجنة»؛ فالمراد بالشكر الجزاء؛ إذ الشكر نوع من الجزاء
فلما سمع الصحابة هذه القصة، سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن حسن مراعاتهم للبهائم، والإحسان إليها: هل يترتب عليه أجر؟! فأجابهم صلى الله عليه وسلم بقوله: «في كل كبد رطبة أجر»، والمعنى: في كل شيء فيه روح ثواب ما دام الإنسان يحسن إليه، وعبر بالكبد؛ لأنها العضو الذي يحتاج إلى الماء، فإذا يبس هلك الحيوان؛ فكل بهيمة أحسنت إليها بسقي، أو إطعام، أو وقاية من حر أو برد، سواء كانت لك، أو لغيرك من بني آدم، أو ليست ملكا لأحد -فإن لك في ذلك أجرا عند الله
وفي الحديث: الحث على الإحسان إلى الناس؛ لأنه إذا حصلت المغفرة بسبب سقي الكلب، فسقي بني آدم أعظم أجرا
وفيه: فضل سقي الماء وكونه من أعظم القربات
وفيه: التنفير من الإساءة إلى البهائم والحيوان