باب في حديث الإفك وقبول توبة القاذف

بطاقات دعوية

باب في حديث الإفك وقبول توبة القاذف

فقالت: أي هنتاه ولم تسمعي ما قال قالت: وقلت: ما قال فأخبرتني بقول أهل الإفك قالت: فازددت مرضا على مرضي فلما رجعت إلى بيتي، دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم قال: كيف تيكم فقلت له: أتأذن لي أن آتي أبوي قالت: وأريد أن أستيقن الخبر من قبلهما قالت: فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت لامي: يا أمتاه ماذا يتحدث الناس قالت: يا بنية هوني عليك فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها، لها ضرائر، إلا كثرن عليها قالت: فقلت سبحان الله أو لقد تحدث الناس بهذا قالت: فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت، لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم ثم أصبحت أبكي
قالت: ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب، وأسامة بن زيد، حين استلبث الوحي، يسألهما، ويستشيرهما في فراق أهله قالت: فأما أسامة فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله، وبالذي يعلم لهم في نفسه فقال أسامة: أهلك ولا نعلم إلا خيرا وأما علي، فقال: يا رسول الله لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير وسل الجارية تصدقك قالت: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة

كان للهجرة إلى المدينة شأن عظيم بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت منزلة المهاجرين عظيمة شريفة؛ فقد تركوا أرضهم وأموالهم لله عز وجل، ومنعوا من العودة إلى ديارهم
وفي هذا الحديث يروي الصحابي الجليل سلمة بن الأكوع رضي الله عنه -وكان من المهاجرين- أنه دخل على الحجاج بن يوسف لما ولي إمرة الحجاز لعبد الملك بن مروان، بعد قتل ابن الزبير سنة أربع وسبعين من الهجرة، فقال له الحجاج متعجبا: هل «ارتددت على عقبيك»، فتركت هجرتك؟ والعقب: مؤخر القدم، والجملة تستعمل فيمن أتى عكس ما كان عليه، وهل «تعربت»، فتركت مقامك بالمدينة وأقمت مع الأعراب في البادية والصحراء؟ فكانوا يعدون من رجع بعد هجرته إلى موضعه من غير عذر كالمرتد، أو أن هذا كان من جفاء الحجاج، حيث خاطب هذا الصحابي الجليل بهذا الخطاب القبيح من قبل أن يستكشف عن عذره، أو أنه أراد قتله، فبين السبب الذي يريد أن يجعله مستحقا للقتل به
فقال سلمة رضي الله عنه: لا، لم أترك هجرتي ولم أتعرب، ولكني كنت استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في الإقامة في البادية مع الأعراب، فأذن النبي صلى الله عليه وسلم لي
وقد خرج سلمة بن الأكوع رضي الله عنه من المدينة لما قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه سنة خمس وثلاثين من الهجرة، إلى «الربذة»، وهي قرية بالبادية تقع إلى الجنوب الشرقي من المدينة النبوية بحوالي 200 كيلومتر، فأقام سلمة هناك طويلا وتزوج وأنجب، ولم يزل سلمة بالبادية حتى نزل المدينة قبل وفاته بأيام، ومات بالمدينة موضع هجرته رضي الله عنه سنة أربع وسبعين على الصحيح، فكانت مدة سكناه بالبادية نحو الأربعين سنة
وفي الحديث: حرص أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على اتباع أوامره واجتناب نواهيه
وفيه: بيان عدم رجوع المهاجر إلى استيطان وطنه إلا من أذن له النبي صلى الله عليه وسلم في العودة
وفيه: بيان صبر سلمة رضي الله عنه، وتحمله ما لقيه من الحجاج من الجرأة عليه، والازدراء به