باب في حديث الإفك وقبول توبة القاذف
بطاقات دعوية
قال عروة: كانت عائشة تكره أن يسب عندها حسان وتقول: إنه الذي قال:
فإن أبي ووالده وعرضيلعرض محمد منكم وقاءقالت عائشة: فقدمنا المدينة فاشتكيت حين قدمت شهرا، والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك لا أشعر بشيء من ذلك وهو يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي إنما يدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم ثم يقول: كيف تيكم ثم ينصرف فذلك يريبني ولا أشعر بالشر حتى خرجت حين نقهت فخرجت مع أم مسطح قبل المناصع وكان متبرزنا وكنا لا نخرج إلا ليلا إلى ليل وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريبا من بيوتنا قالت: وأمرنا أمر العرب الأول في البرية قبل الغائط وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا قالت: فانطلقت أنا وأم مسطح، وهي ابنة أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف، وأمها بنت صخر بن عامر، خالة أبي بكر الصديق وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب فأقبلت أنا وأم مسطح قبل بيتي، حين فرغنا من شأننا فعثرت أم مسطح في مرطها فقالت: تعس مسطح فقلت لها: بئس ما قلت أتسبين رجلا شهد بدرا
معاني الكلمات
طائفة من حديثها: جزء منه
أوعى: أحفظ وأثبت وأكثر استيعابًا في نقله.
أقرع: أجرى قرعة بينهن.
هودجي:أداة ذات قبة توضع على ظهر الجمل لتركب فيها النساء.
قفل:رجع من السفر.
آذن:أعلن عن رحيله وأعلم الناس بذلك.
رحلي:جملي الذي أركبه.
جزع ظفار:خرز يماني.
التمست:طلبت.
فحبسني ابتغاؤه:أخّرني طلبه.
الرهط:ما دون العشرة.
فرحلوه:احتملوه.
لم يَهْبِلْنَ: لم يكثر عليهن اللحم.
لم يغشهن اللحم: لم يغطيهن.
العُلْقة من الطعام: البلغة والشيء اليسير من الطعام.
حديثة السن: صغيرة السن.
تيممت: قصدت.
باسترجاعه: بقوله: إنا لله وإنا إليه راجعون.
خمَّرت: غطّيت.
أناخ راحلته:بركها.
موغرين في نحر الظهيرة: داخلين في وقت شدة الحر في حال توسّط الشمس السماء.
فاشتكيت: مرضت.
يفيضون: يتناقلون ويخوضون.
يريبني: يشككني ويوهمني.
كيف تيكم: كيف تلك؟ يسألها عن حالها بلهجة فاترة.
نقهت: برئت وأفقت.
المناصع: موضع أفيح يذهبون له لقضاء الحاجة.
الكنف: أماكن التخلي.
مرطها: الكساء والثوب الذي تلبسه.
أي هنتاه: ياهذه، وقيل معناها: يابلهاء، كأنها نُسبت إلى قلة المعرفة بمكايد الناس وشرورهم.
وضيئة:جميلة حسناء.
لا يرقأ:لا يسكن ولا ينقطع.
استلبث:أبطأ وتأخر.
أغمصه:أعيبها به وأطعن به عليها.
فاستعذر:استنصر ممن آذاه في أهله.
فثار:علت أصواتهم وارتفعت.
يخفِّضهم:يسكّنهم ويهون عليهم الأمر.
فالق كبدي:شاقٌّ كبدي.
ألممتِ:قاربتِ.
قلص:ارتفع وذهب.
مارام رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه: لم يفارق مجلسه.
البُرَحَاء:شدة الكرب من ثقل الوحي.
ليتحدَّر:يتصبَّب.
الجُمان:اللؤلؤ.
فسُرِّي:انكشف وارتفع الوحي.
تُساميني:تضاهيني وتفاخرني بجمالها ومكانتها.
وطفقت:أخذت تخوض مع من خاض.
ما كشفت من كنف أنثى قط: لم يكشف ستر أنثى أبدًا.
من فوائد الحديث
يؤخذ من سياق عائشة رضي الله عنها جميع قصتها المشتملة على براءتها بيان ما أجمل في الكتاب والسنة.
توقف رحيل العسكر على إذن الأمير.
استعمال بعض الجيش ساقةً؛ ليكون أمينًا، وليحمل الضعيف، ويحفظ ما يسقط، وغير ذلك من المصالح.
مشروعية الاسترجاع عند المصيبة.
وجوب تغطية المرأة وجهها عن نظر الأجنبي، لأن عائشة رضي الله عنها فسَّرت بفعلها كيفية الحجاب المأمور به في الآيات، وأن تغطية الوجه منه.
حسن الأدب مع الأجانب، خصوصًا النساء، لا سيما في الخلوة.
المشي أمام المرأة؛ ليستقر خاطرها، وتأمن مما يتوهم من نظره، ولما عساه ينكشف منها في حركة المشي.
إطلاق الظن على العلم.
مشروعية القرعة في فصل الحقوق، حتى بين النساء وغيره.
وجوب الإقراع بين النساء عند إرادة السفر ببعضهن.
جواز السفر بالنساء حتى في الغزو إذا أُمِن عليهن.
جواز ركوب النساء في الهوادج، وكذلك السيارات والباصات، وجواز خدمة الرجال لهن في الأسفار.
جواز خدمة الأجانب للمرأة من وراء الحجاب.
جواز تستر المرأة بالشيء المنفصل عن البدن.
الهودج يقوم مقام البيت في حجب المرأة.
جواز لبس النساء القلائد في السفر كالحضر.
جواز حكاية ما وقع للمرء من الفضل، ولو كان فيه مدح ناس، وذم ناس، إذا تضمن ذلك إزالة توهم النقص عن الحاكي.
الدلالة على منع الحكم حالة الغضب، لما بدا من سعد بن معاذ، وأسيد بن حضير، وسعد بن عبادة من قول بعضهم لبعض حالة الغضب، حتى كادوا يقتتلون.
أن الشدة إذا استحكمت أعقبها الفرج، وإنما ذلك لاستخراج الصبر والإنابة والتوجه لله تعالى من العبد المبتلى.
فضل من يُفوِّض الأمر لربه تعالى، وأن من قوي على ذلك خف عنه الهم والغم، كما وقع في حالتي عائشة رضي الله عنها قبل استفسارها عن حالها، وبعد جوابها بقولها: والله المستعان.
مشروعية التسبيح عند التعجب، واستعظام الأمر.
ذم الغيبة، وذم سماعها، وزجر من يتعاطاها، لا سيما إن تضمنت تهمة المؤمن بما لم يقع منه.
ذم إشاعة الفاحشة.
تحريم الشك في براءة عائشة رضي الله عنها، ومن رماها بما برأها الله تعالى منه كفر.
تثبت أبي بكر الصديق رضي الله عنه في الأمور؛ لأنه لم ينقل عنه في هذه القصة مع تمادي الحال فيها شهرًا كلمة، فما فوقها، إلا ما ورد عنه في بعض طرق الحديث أنه قال: والله ما قيل لنا هذا في الجاهلية، فكيف بعد أن أعزنا الله بالإسلام.
فضيلة قوية لأم مسطح؛ لأنها لم تحاب ولدها في وقوعه في حق عائشة رضي الله عنهما، بل تعمدت سبه على ذلك.
تقوية لأحد الاحتمالين في قوله صلى الله عليه وسلم عن أهل بدر: "إن الله قال لهم: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم"، وأن الراجح أن المراد بذلك أن الذنوب تقع منهم، لكنها مقرونة بالمغفرة؛ تفضيلا لهم على غيرهم، بسبب ذلك المشهد العظيم، ومرجوحية القول الآخر: أن المراد أن الله تعالى عصمهم، فلا يقع منهم ذنب.
مشروعية التسبيح عند سماع ما يعتقد السامع أنه كذب، وتوجيهه هنا أنه سبحانه وتعالى ينزه أن يحصل لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم تدنيس، فيشرع شكره بالتنزيه في مثل هذا.
توقف خروج المرأة من بيتها على إذن زوجها، ولو كانت إلى بيت أبويها.
خبر الواحد إذا جاء احتفت به قرائن أفاد القطع، لقول عائشة رضي الله عنها: لأستيقن الخبر من قبلهما، وأن ذلك لا يتوقف على عدد معين.
جواز استشارة المرء أهل بطانته.
البحث عن حال من اتهم بشيء، وحكاية ذلك؛ للكشف عن أمره، ولا يعد ذلك غيبة.
استعمال: "لا نعلم إلا خيرًا" في التزكية، وأن ذلك كاف في حق من سبقت عدالته.
التثبت في الشهادة، واستعمال الفطنة من الإمام عند الحادث المهم.
ابتداء الكلام في الأمر المهم بالتشهد، والحمد، والثناء، وقول: أما بعد.
مشروعية التوبة، وأنها تقبل من المعترف المقلع المخلص.
مجرد الاعتراف لا يجزئ في التوبة.
الاعتراف بما لم يقع لا يجوز، ولو عرف أنه سيُصدَّق في ذلك، ولا يؤاخذ على ما يترتب على اعترافه، بل عليه أن يقول الحق، أو يسكت.
الصبر تحمد عاقبته، ويغبط صاحبه.
توقف من اشتبه عليه الأمر في الكلام.
استحباب تبشير من تجددت له نعمة، أو اندفعت عنه نقمة.
جواز الضحك، والفرح، والاستبشار عند تجدد النعمة، واندفاع النقمة.
معذرة من انزعج عند وقوع الشدة؛ لصغر سن ونحوه.
جواز إدلال المرأة على زوجها وأبويها.
مشروعية التدرج في الخبر، لئلا يهجم على قلب المخاطب شدة الفرح أو الحزن وهلةً واحدةً، فيضره، يؤخذ ذلك من ابتداء النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزول الوحي ببراءة عائشة رضي الله عنه بالضحك، ثم تبشيرها، ثم إعلامها ببراءتها مجملة ثم تلاوته الآيات.
توطئة العذر لمن يراد إيقاع العقاب به، أو العتاب له.
جواز استشارة الأعلى لمن هو دونه.
جواز استخدام من ليس في الرق، كبريرة رضي الله عنها.
من سئل عن حال شخص، فأراد بيان ما فيه من عيب، فليُقدِّم ذكر عذر ذلك الشخص، إن كان يعلمه، كما قالت بريرة في عائشة بحيث عاتبتها بالنوم عن العجين، فقدمت قبل ذلك أنها جارية حديثة السن، ولا يتحامل على أي مسلم ومسلمة.
بيان أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يحكم لنفسه، إلا بعد نزول الوحي؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يجزم في القصة بشيء قبل نزول الوحي.
الحَمِيَّة لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم لا تذم، فهي حَمِيَّة إسلامية.
ثبوت الفضائل الجمة لعائشة، ولأبويها، ولصفوان، ولعلي بن أبي طالب، وأسامة، وسعد بن معاذ، وأسيد بن حضير رضي الله عنهم أجمعين.
التعصب لأهل الباطل مخالف للصلاح.
إطلاق الكذب على الخطأ؛ لأنه مخالف للصواب.
جواز القسم بلفظ: "لعمر الله"؛ لأنها صفة من صفاته تعالى.
الندب إلى قطع الخصومة، وتسكين ثائرة الفتنة، وسد ذريعة ذلك.
احتمال أخف الضررين بزوال أغلظهما.
فضل احتمال الأذى.
من آذى النبي صلى الله عليه وسلم بقول أو فعل يستحق القتل؛ لأن سعد بن معاذ أطلق ذلك، ولم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم عليه، ولكن لا يقوم بذلك إلا صاحب السلطة، حتى لا يتطاول بعض الناس على دماء آخرين دون تحقق.
حسن مساعدة من نزلت به بلية بالتوجع والبكاء والحزن، دون نياحة أو اعتراض على القدر.
مشروعية إغاثة الملهوف، وعون المنقطع، وإنقاذ الضائع، وإكرام ذوي القدر، وإيثارهم بالركوب، وتجشم المشقة لأجل ذلك.
ملاطفة الزوجة، وحسن معاشرتها هو الأصل، وجواز التقصير في ذلك عند إشاعة ما يقتضي النقص، وإلم يُتحقق، وفائدة ذلك أن تتفطن لتغير الحال، فتعتذر أو تعترف.
لا ينبغي لأهل المريض أن يعلموه بما يؤذيه.
مشروعية السؤال عن المريض.
يجوز للمرأة إذا خرجت لحاجة تستصحب من يؤنسها، أو يخدمها، ممن تؤمن عليها.
ذب المسلم عن المسلم خصوصًا من كان من أهل الفضل، وردع من يؤذيهم.
مزيد فضيلة أهل بدر رضي الله عنهم.
مشروعية البحث عن الأمر القبيح، إذا أشيع، وتعرف صحته، وفساده بالتنقيب على من قيل فيه، هل وقع منه قبل ذلك ما يشبهه، أو يقرب منه؟
استصحاب الحال السابقة لمن اتهم بسوء، فإذا كان قبل ذلك معروفًا بالخير فهو بريء ما لم يظهر ما يخالف ذلك.
استعمال التمهيد فيما يحتاج إليه من الكلام.
جواز الاستشهاد بآي القرآن في النوازل.
استحباب التأسي بما وقع للأكابر، من الأنبياء عليهم السلام، وغيرهم.
صيانة المال، ولو كان قليلًا؛ للنهي عن إضاعة المال، فإن عقد عائشة لم يكن من ذهب، ولا جوهر.
شؤم الحرص على المال؛ لأنها لو لم تطل في التفتيش لرجعت بسرعة، فلما زاد على قدر الحاجة حصل ما جرى.
الحث على الإنفاق في سبيل الخير خصوصًا في صلة الرحم.
وقوع المغفرة لمن أحسن إلى من أساء إليه، أو صفح عنه.
من حلف ألا يفعل شيئًا من الخير استحب له الحنث.