باب: في غزوة أحد
بطاقات دعوية
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفرد يوم أحد في سبعة من الأنصار ورجلين من قريش فلما رهقوه (3) قال من يردهم عنا وله الجنة أو هو رفيقي في الجنة فتقدم رجل من الأنصار فقاتل حتى قتل ثم رهقوه أيضا فقال من يردهم عنا وله الجنة أو هو رفيقي في الجنة فتقدم رجل من الأنصار فقاتل حتى قتل فلم يزل كذلك حتى قتل السبعة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لصاحبيه ما أنصفنا أصحابنا (4). (م 5/ 178
وقَعَت غَزوةُ أُحدٍ بيْنَ المُسلِمين وقُريشٍ في شوَّالٍ في السَّنةِ الثَّالثةِ مِن الهِجرةِ، وأُحدٌ جبَلٌ مِن جِبالِ المدينةِ، وقدْ قدَّمَ بعضُ الصَّحابةِ في ذلك اليومِ أفضَلَ النَّماذجِ وأرْوعَها؛ فصَبَروا مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وقاتَلوا حتَّى استُشهِدَ منهم عددٌ كثيرٌ.
وفي هذا الحديثِ يَرْوي أنَسُ بنُ مَالِكٍ رَضيَ اللهُ عنه: «أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أُفرِدَ يومَ أُحُدٍ» أي: استطاعَ جَيشُ المشْرِكين أنْ يَعزِلوا رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن باقي الجَيشِ في «سَبعةٍ مِن الأنصارِ ورَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ» أي: مِن المهاجِرين، والأنصارُ: هُم أهلُ المدينةِ، فلمَّا قَرُب مِنه المشرِكون وأحاطُوا به لِيَنالوا منه ويَقتُلوه، فقال رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لمَن معه: «مَن يَرُدُّهم عنَّا» أي: مَن يَقدِرُ على صَدِّهم وقَتلِهم ويكونُ أجْرُه في الآخرةِ الجنَّةَ، أو هو رَفِيقِي في الجنَّةِ؟ فتَقدَّم رجُلٌ مِن الأنصارِ مِن السَّبعةِ إلى جِهةِ العدوِّ، فقاتَل حتَّى قُتل، ثُمَّ رَهِقُوه أيضًا وأحاطُوا به كما رَهِقوه أوَّلًا، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: مَن يَرُدُّهم عنَّا وله الجنَّةُ، أو هو رَفِيقِي في الجنَّةِ؟ فتَقدَّم رجلٌ آخَرُ مِن الأنصارِ الَّذين حَوْلَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقاتَل حتَّى قُتل، ولم يَزَلِ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ ذلك حتَّى قُتِلَ السَّبْعَةُ، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِصَاحِبَيْهِ القُرَشيَّينِ اللَّذينِ كانا معه: «ما أَنْصَفْنا أصحابَنا» أي: ما أَنْصَفَتْ قُرَيْشٌ الأنصارَ؛ لِكَوْنِ القُرَشِيِّينَ لم يَخرُجا للقِتال، بلْ خَرَج الأنصارُ واحدًا بعدَ واحدٍ، المُرادُ بهذا: الَّذِينَ فَرُّوا مِنَ القِتالِ؛ فإنَّهم لم يُنصِفُوا لِفِرَارِهم.
والحكمةُ فيما جَرى بأُحدٍ: أنَّ اللهَ تَعالَى أجْرى سُنَّتَه في رُسلِه وأتباعِهِم بأنْ يُدالُوا مرَّةً، ويُدالُ عليهم أُخرى، لكنْ تكونُ لهم العاقبةُ، فإنَّهم لو انْتَصَروا دائمًا دَخَل معهم المؤمِنون وغيرُهم، ولم يَتميَّزِ الصَّادقُ مِن غيرِه، ولو انتُصِرَ عليهم دائمًا، لم يَحصُلِ المقصودُ مِن البَعثةِ والرِّسالةِ، فاقتَضَتْ حِكمةُ اللهِ تَعالَى أنْ جَمَع لهم بيْنَ الأمرينِ؛ ليَتميَّزَ مَن يَتْبَعُهم ويُطِيعُهم للحقِّ وما جاؤوا به، ممَّن يَتْبَعُهم على الظُّهورِ والغَلَبةِ خاصَّةً.
وفي الحديثِ: فضلُ الأنصارِ رَضيَ اللهُ عنهم.
وفيه: بَيانُ ما أصابَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في سَبيلِ اللهِ تَعالَى.