باب في فضائل عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم 9
بطاقات دعوية
عن عائشة - رضي الله عنها - قالت كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج أقرع بين نسائه فطارت القرعة على عائشة وحفصة فخرجتا معه جميعا وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كان بالليل سار مع عائشة يتحدث معها فقالت حفصة لعائشة ألا تركبين الليلة بعيري وأركب بعيرك فتنظرين وأنظر قالت بلى فركبت عائشة على بعير حفصة وركبت حفصة على بعير عائشة فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى جمل عائشة وعليه حفصة فسلم ثم سار معها حتى نزلوا فافتقدته عائشة فغارت فلما نزلوا جعلت تجعل رجلها بين الإذخر وتقول يا رب سلط علي عقربا أو حية تلدغني رسولك ولا أستطيع أن أقول له شيئا. (م 7/ 138
ضَربَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المَثَلَ الأَعلى في العَدْلِ بيْنَ زَوجاتِه، وتَنظيمِه للعَلاقاتِ الأُسريَّةِ عندَ تَعدُّدِ الزَّوجاتِ.
وفي هذا الحَديثِ تَرْوي أمُّ المؤمِنينَ عائشةُ رَضيَ اللهُ عنها أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ إذا أَرادَ السَّفرَ، «أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ» لِيَختارَ مَن تَخرُجُ منهنَّ معه، وإنَّما كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَفعَلُ ذلك مُبالَغةً في تَطييبِ قُلوبِهنَّ، و«القُرْعَةُ»: أن تُكتَبَ الأسْماءُ في أشياءَ ويَتمُّ اخْتيارُ أَحَدِ الأسماء، «فَطارَتِ القُرْعَةُ»، أي: وَقَعَتِ القُرْعَةُ على عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ رَضيَ اللهُ عنهما، فَخَرَجَتَا مَعَه جَمِيعًا، وكان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في ذلك السَّفرِ «إذا كان باللَّيلِ سارَ مَعَ عائِشَةَ يَتَحَدَّثُ معها»، وذلك لزِيادةِ حُبِّه لها أو على عادةِ المسافرين يَتكلَّمون حتَّى تُقْطَعَ المسافةُ، والظَّاهرُ أنَّ الحديثَ كان مع عائشةَ دائمًا دونَ حَفْصةَ؛ ولذلك احتالَتْ حَفصةُ رَضيَ اللهُ عنها، فقالت لعائشَةَ: «أَلَا تَرْكَبِينَ اللَّيْلَةَ بَعِيرِي وَأَرْكَبُ بَعِيرَكِ، فَتَنْظُرِينَ وَأَنْظُر؟» حِيلةً منها تَمَّت لها على عائشةَ لِصِغَرِ سِنِّ عائشةَ، فوافَقَت عائشةُ رَضيَ اللهُ عنها، وكأنَّ عَائِشَةَ رَضيَ اللهُ عنها فَعَلَتْ ذلك لِمَا شَوَّقَتْها إليه حَفْصَةُ مِنَ النَّظَرِ إلى ما لم تَكُنْ هي تَنْظُرُ، «فَرَكِبَتْ عَائِشَةُ على بَعِيرِ حَفْصَةَ، وَرَكِبَتْ حَفْصَةُ على بَعِيرِ عَائِشَةَ» وكانت النِّساءُ تَركَبُ في هَودَجٍ مُغطًّى مَحمولٍ على ظَهرِ الجمَلِ ولا تَظهَرُ المرأةُ بداخلِه ولا يَراها مَن يَقترِبُ منها، «فَجاءَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ» على عادتِه في هذا السَّفرِ، «إلى جَمَلِ عائِشةَ، وعليه حَفْصةُ، فَسَلَّمَ» رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على الرَّاكبةِ، «ثُمَّ سَارَ مَعَها» يَتحدَّثُ معها «حتَّى نَزَلُوا» آخِرَ اللَّيلِ للرَّاحةِ «فَافْتَقَدَتْه عَائِشَةُ» في تلك اللَّيلةِ، «فَغَارَتْ» على كَلامِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مع حَفْصةَ وسَيْرِه معها، وتلك كانتْ مِنْ عَادَةِ نِسَائِهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في حَقِّهِ أنَّهنَّ كُنَّ يَغَرْنَ بعضُهنَّ مِن بعضٍ في قُرْبِهِ مِن إحداهُنَّ، «فَلمَّا نَزَلوا» للرَّاحةِ جعَلَت عائشةُ تَضَعُ «رِجْلَهَا بَيْنَ الإِذْخِرِ»، والإذْخِرُ حشيشٌ طيِّبُ الرِّيحِ تُوجَدُ فيه الهَوامُّ غالبًا، كأنَّها لَمَّا عَرَفَت أنَّها الجانيةُ على نَفسِها فيما أجابتْ إليه حَفْصةَ، عاتَبَتْ نفْسَها على تلك الجنايةِ، وكانت تقولُ: «يا رَبِّ، سَلِّطْ عَلَيَّ عَقْرَبًا أَوْ حَيَّةً تَلْدَغُنِي» وهذا دُعاءٌ بغَيرِ نِيَّةٍ، حَمَلَتْها عليه الغَيرةُ، فهي غيرُ مُؤاخَذةٍ به، «رَسولُكَ ولا أَسْتطيعُ أنْ أقولَ له شيئًا»؛ فقد نَدِمَتْ على ما صَنَعَتْ، ولعلَّها خَشِيَتْ أنْ يُخبِرَهُ الوحْيُ، ويُعاتِبَها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في ذلك، ولا تَجِدَ له جوابًا، وإنَّما لم تَتعرَّضْ لِحَفصةَ لأنَّها هي الَّتي أجابَتْها طائعةً، فعادتْ على نَفسِها باللَّومِ.
وفي الحديثِ: إرشادٌ إلى مُلاطفةِ الرَّجُلِ أهلَه وزوجاتِه، وإشعارِهنَّ بحُسنِ العِشرةِ.
وفيه: بَيانُ كَمالِ حُسنِ عِشرةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ حيث كان يُقرِعُ بيْنَ نِسائهِ.
وفيه: ثُبوتُ الغَيرةِ بيْنَ نِساءِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.