باب: في قوله تعالى: {إذا جاء نصر الله والفتح}
بطاقات دعوية
عن عبيد الله بن عتبة - رضي الله عنه - قال قال لي ابن عباس - رضي الله عنهما - تعلم وقال هارون تدري آخر سورة نزلت من القرآن نزلت جميعا قلت نعم {إذا جاء نصر الله والفتح} قال صدقت. (م 8/ 243)
كان الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم يُعلِّمون مَن بعْدَهم أُمورَ الدِّينِ، ويُوضِّحون لهم ما خَفِيَ عليهم، ويُؤكِّدون للنَّاسِ ما عِندهم مِن صَحيحِ العلمِ، وكان عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما حَبْرًا وعالمًا بالقرآنِ ومِن الرَّاسخينَ في العِلمِ
وفي هَذا الحديثِ يُعلِّمُ ابنُ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما بَعضَ أَصحابِه عَن طَريقِ السُّؤالِ، فسَألَ ابنُ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما عُبيدَ اللهِ بنَ عُتْبةَ عَن آخِرِ سورةٍ نَزلتْ مِن القُرآنِ كاملةً، ولم تَنزِلْ مُتفرِّقةً، فأَجابَه بأَنَّها {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}، فصَدَّقَ ابنُ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنه عَلى كَلامِه بقَولِه: «صَدقْتَ»، فَقال ابنُ عَبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما هُنا ما أَدَّى إليهِ عِلمُه واجتِهادُه، ومَن خالَفَه مِن الصَّحابةِ فكَذلكَ أيضًا قال بِما عندَه، فَليسَ في ذلكَ الأَمرِ حَديثٌ مَرفوعٌ
وقدْ وَرَد في الصَّحيحينِ عن البَراءِ أنَّ آخِرَ سُورةٍ هي (بَراءةٌ) أي: التَّوبةُ، والجمعُ بيْنهما أنَّ آخِريَّةِ سُورةِ النَّصرِ نُزولُها كاملةً بخِلافِ (بَراءةٌ)، فالمرادُ بنُزولِها نُزولُ بَعضِها أو مُعظَمِها؛ لأنَّ فيها آياتٍ نَزَلت قبْلَ سَنةِ الوفاةِ النَّبويَّةِ، ويُقالُ: إنَّ قولَه: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ} نَزَل يوْمَ النَّحرِ، وهو بمِنًى في حَجَّةِ الوداعِ في السَّنةِ العاشرةِ مِن الهجرةِ، وقيل: عاشَ بعْدَها واحِدًا وثمانينَ يومًا، ثمَّ نَزَلت آيةُ الكَلالةِ، وعاش بعْدَها خَمْسينَ يومًا، ثمَّ نزَلَ {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3]، فعاشَ بعْدَها خَمسًا وثلاثينَ يومًا، ثمَّ نَزَلَ {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} [البقرة: 281]، فعاشَ بعْدَها إحْدى وعِشرينَ يومًا