‌‌باب في كراهية البزاق في المسجد

‌‌باب في كراهية البزاق في المسجد

حدثنا يحيى بن حبيب بن عربي، حدثنا خالد يعني ابن الحارث، عن محمد بن عجلان، عن عياض بن عبد الله، عن أبي سعيد الخدري، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب العراجين ولا يزال في يده منها، فدخل المسجد فرأى نخامة في قبلة المسجد فحكها، ثم أقبل على الناس مغضبا، فقال: «أيسر أحدكم أن يبصق في وجهه؟ إن أحدكم إذا استقبل القبلة فإنما يستقبل ربه عز وجل، والملك عن يمينه، فلا يتفل عن يمينه، ولا في قبلته، وليبصق عن يساره، أو تحت قدمه، فإن عجل به أمر فليقل هكذا» ووصف لنا ابن عجلان ذلك أن يتفل في ثوبه، ثم يرد بعضه على بعض

المساجد خير بقاع الأرض، وقد بنيت للذكر والصلاة وعبادة الله عز وجل، وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم الأمة إلى حفظها ونظافتها، وصونها عن كل دنس؛ فترفع منها النجاسات والقاذورات وكل ما يستقذر
وفي هذا الحديث يخبر أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب العراجين"؛ جمع عرجون، وهو غصن النخيل الذي يحمل ثمر الرطب، "ولا يزال في يده منها" وفي رواية: "كان يعجبه العراجين أن يمسكها بيده"، "فدخل المسجد فرأى نخامة في قبلة المسجد"، أي: رأى بصاق أحدهم على جدار القبلة، والنخامة: ما يخرجه الإنسان من حلقه من البلغم، وكانت قد يبست، "فحكها"، وفي رواية: "فحتهن به حتى أنقاهن"، أي: أزال النبي صلى الله عليه وسلم تلك النخامة من على القبلة بفركها بالعرجون الذي كان بيده، ثم أقبل النبي صلى الله عليه وسلم "على الناس مغضبا"، أي: توجه إليهم وعلى وجهه علامات الغضب، فقال: "أيسر أحدكم أن يبصق في وجهه"؟! أي: ينكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم البصقة في جهة القبلة؛ فهي كالذي بصق على وجه غيره؛ "إن أحدكم إذا استقبل القبلة؛ فإنما يستقبل ربه عز وجل والملك عن يمينه"، أي: إن الله تعالى يستقبل عبده بوجهه الكريم عند الدخول في الصلاة، وهو سبحانه مع ذلك مستو على عرشه، ويتوجه إلى عبده ويكون قبله على ما يليق بجلاله سبحانه، كما قال تعالى: {ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله} [البقرة: 115]، ومثل هذه الأحاديث تمر كما جاءت كما تواتر ذلك عن السلف الصالح، من غير تكييف ولا تعطيل
والملك الذي يكون عن يمينه؛ قيل: المراد به الملك الذي يكون عن اليمين هو على وجه اختصاص ملك بعينه غير الملك الكاتب الذي يكتب الحسنات، وقيل: بل المراد به الملك الكاتب، وأن الذي على يساره يكون قد انتقل إلى اليمين في حالة الصلاة، أو كما هو يكون باليسار ولكنه بعيد عن محل البصق
ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فلا يتفل عن يمينه ولا في قبلته"، أي: تعظيما لما في تلك الجهتين، "وليبصق عن يساره أو تحت قدمه"، والتفل والبصق بمعنى واحد: وهو قذف النخامة إلى خارج الفم أو الأنف، "فإن عجل به أمر"، أي: أعجلته النخامة في الخروج ولم يستطع أن يتبين حال يساره أو تحت قدمه، "فليقل هكذا"، أي: فليتخلص منها بتلك الطريقة؛ قال خالد بن الحارث راوي الحديث: "ووصف لنا ابن عجلان ذلك"، أي: وضح لهم المعنى المشار إليه، "أن يتفل في ثوبه"، أي: كأنه يخرجها على طرف من ثوبه، "ثم يرد بعضه على بعض"، أي: يضم الثوب بعضه على بعض؛ حتى لا يصيبه منها شيء
وفي الحديث: النهي عن البصق في جهة القبلة واليمين للمصلي
وفيه: تعظيم قدر المساجد وجهة القبلة