باب في مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، وابن كم كان حين بعث؟1
سنن الترمذى
حدثنا محمد بن إسماعيل قال: حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا ابن أبي عدي، عن هشام بن حسان، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: «أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربعين، فأقام بمكة ثلاث عشرة وبالمدينة عشرا، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين»: «هذا حديث حسن صحيح»
رافَقَ الصَّحابةُ رِضْوانُ اللهِ عليهم رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ منذُ أنْ نَزَل عليه الوَحيُ، وحتَّى أتمَّ اللهُ عليه النِّعمةَ، وبلَّغَ الرِّسالةَ كما أمَرَه اللهُ عزَّ وجلَّ، وسَجَّلوا عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كلَّ ما يَتعلَّقُ بالنُّبوَّةِ والرِّسالةِ.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ الوَحيَ أُنزِلَ على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وعُمرُه أرْبَعونَ سَنةً، والمُرادُ بالوَحيِ: تَكْليفُ المَوْلى عزَّ وجلَّ نَبيَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالرِّسالةِ والبَلاغِ، وإلَّا فإنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يَرى الرُّؤْيا المَناميَّةَ مِن اللهِ عزَّ وجلَّ قبْلَ ذلك، ونَزَل عليه جِبريلُ في غارِ حِراءٍ، وثبَت في صَحيحِ البُخاريِّ أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قدْ أتَتْه المَلائكةُ وهو في غارِ حِراءٍ قبْلَ سنِّ الأربَعينَ، فمَكَث صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بمكَّةَ ثلاثَ عَشْرةَ سَنةً بعْدَ الوَحيِ يَدْعو قومَها إلى الإسْلامِ، فاشتَدَّ عليه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وعلى المُسلِمينَ معَه الأذى مِن أهلِ مكَّةَ، وضَيَّقوا عليه ومَنَعوه، فأمَرَ اللهُ عزَّ وجلَّ نَبيَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالهِجرةِ، فهاجَرَ إلى المَدينةِ، فمَكَث بها عَشْرَ سِنينَ، انتَشَرَ منها الإسْلامُ دَعْوةً وفَتحًا، ثمَّ تُوفِّيَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن ثَلاثٍ وستِّينَ سَنةً، وذلك في يومِ الاثنَينِ مِن شَهرِ رَبيعٍ الأوَّلِ في السَّنةِ الحاديةِ عَشْرةَ مِنَ الهِجرةِ في المَدينةِ النَّبويَّةِ.
وممَّا قيلَ في الحِكْمةِ مِن نُزولِ الوَحيِ بعْدَ أربَعينَ سَنةً: أنَّها مَرحَلةُ النُّضجِ، وكَمالِ العَقلِ، وحُصولِ التَّجرِبةِ في الحَياةِ ومُعامَلةِ النَّاسِ.