باب في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم
بطاقات دعوية
حديث أبي حميد الساعدي قال: غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك فلما جاء وادي القرى، إذا امرأة في حديقة لها فقال النبي صلى الله عليه وسلم، لأصحابه اخرصوا وخرص رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة أوسق فقال لها: أحصي ما يخرج منها فلما أتينا تبوك، قال: أما إنها ستهب الليلة ريح شديدة، فلا يقومن أحد، ومن كان معه بعير فليعقله فعقلناها وهبت ريح شديدة؛ فقام رجل فألقته بجبل طيء
وأهدى ملك أيلة للنبي صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء، وكساه بردا وكتب له ببحرهم
فلما أتى وادي القرى، قال للمرأة: كم جاء حديقتك قالت: عشرة أوسق، خرص رسول الله صلى الله عليه وسلم
كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب المدينة وأهلها وما فيها، وجعلها حرما آمنا، ودعا لها بالخير المضاعف، كما دعا إبراهيم عليه السلام لمكة بالبركة
وفي هذا الحديث يروي أبو حميد الساعدي رضي الله عنه أن الصحابة رضي الله عنهم خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، وكانت هذه الغزوة آخر غزوة خرج فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه، وكانت في رجب سنة تسع من الهجرة، وكانت مع الروم، وتبوك: في أقصى شمال الجزيرة العربية في منتصف الطريق إلى دمشق، حيث تبعد عن الحجاز ما يقارب (1252 كم)، قال: فلما وصل وادي القرى -وهو: واد بين المدينة والشام، وهو قريب من المدينة، ويقع بين تيماء وخيبر، واختلف في مكانه، ولكن أغلب الإشارات تشير إلى أنه الوادي المعروف حاليا باسم وادي الجزل- رأى امرأة في بستان لها، فطلب منهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يقدروا الثمار التي على النخل، وقدرها صلى الله عليه وسلم أنها إذا جفت تبلغ عشرة أوسق، أي: ست مئة صاع من التمر؛ لأن الوسق ستون صاعا، ويعادل الوسق (130 كجم) تقريبا، وطلب من المرأة أن تكيلها إذا جفت، وتعرف كم صاعا بلغت، وتضبط عدد كيلها
فلما وصلوا تبوك أخبرهم صلى الله عليه وسلم أنه ستهب الليلة ريح شديدة، أي: عاصفة قوية، فلا يقومن أحد؛ حتى لا تؤذيه الريح، ومن كان معه بعير فليربطه؛ لئلا تحمله العاصفة وتؤذيه، فهبت ريح شديدة، فقام رجل فألقته بجبل طيئ، ويقع في ضواحي منطقة حائل في شمال الحجاز
وأهدى ملك أيلة -بلدة قديمة بساحل البحر، وهي المعروفة الآن بالعقبة في الأردن على ساحل خليج العقبة- للنبي صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء تسمى دلدل، «وكساه بردا»، أي: بعث إليه النبي صلى الله عليه وسلم كسوة فاخرة، وكتب له صلى الله عليه وسلم ببحرهم، يعني ببلدهم أيلة، والمراد بأهل بحرهم؛ لأنهم كانوا سكانا بساحل البحر، فأقره عليهم بما التزموه من الجزية
فلما أتى صلى الله عليه وسلم وادي القرى عائدا إلى المدينة، سأل المرأة صاحبة الحديقة المذكورة: كم صاعا أثمرت حديقتك؟ فأجابته: أن ثمرتها بلغت عشرة أوسق، مثل ما قدر النبي صلى الله عليه وسلم تماما
ثم أعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه رضي الله عنهم أنه يتعجل العودة إلى المدينة، قيل: بأن سيسلك الطريق الأقرب، فمن أحب أن يتعجل معه صلى الله عليه وسلم ممن له قدرة على ذلك؛ فليأت معه دون بقية الجيش، فلما أشرف وأقبل صلى الله عليه وسلم على المدينة ورأى مبانيها، قال: هذه طابة، أي: هذه هي المدينة الطيبة التي سماها الله طابة؛ لطيبها، فلما رأى صلى الله عليه وسلم جبل أحد، قال: هذا جبيل يحبنا ونحبه، وأحد: جبل يقع بالمدينة في شماليها الغربي، بينه وبين المسجد النبوي 4 كيلومترات، ولا مانع من وقوع مثل ذلك الحب؛ بأن يخلق الله تعالى المحبة في بعض الجمادات، كما جاز التسبيح منها، ومعنى حبه لهم: أي يحب الساكنين بفنائه، والمقيمين في ساحته، ومحبته صلى الله عليه وسلم للجبل توجب له البركة، وترغب في مجاورته.
ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بخير دور الأنصار؟ يريد بها القبائل الذين يسكنون الدور، قالوا: بلى، أخبرنا، قال: دور بني النجار، أي: أفضلها قبائل بني النجار، وهم أخوال النبي صلى الله عليه وسلم، وقد نزل بهم في أول قدومه إلى المدينة، ثم دور بني عبد الأشهل؛ وذلك لأنهم من أوائل من أسلم من الأنصار على يد مصعب بن عمير لما أسلم زعيمهم وكبيرهم سعد بن معاذ، ومنهم فضلاء؛ مثل سعد بن معاذ، وأسيد بن الحضير، وعباد بن بشر، ثم دور بني ساعدة -أو دور بني الحارث بن الخزرج- وفي كل دور الأنصار خير، يعني: وجميع قبائل الأنصار لها مزية وشرف وفضل في الجاهلية والإسلام. وتفضيل بعض هذه القبائل على بعض إنما هو بحسب سبقهم للإسلام، وأفعالهم فيه
وفي الحديث: مشروعية الخرص، وهو تقدير ما على النخل من الرطب تمرا؛ ليحصى على مالكه، فيتوصل به إلى تحديد فريضة الزكاة فيها
وفيه: علامة من علامات نبوته صلى الله عليه وسلم؛ وذلك في إخباره عن الريح التي تهب
وفيه: قبول هدية الكفار
وفيه: أن المخالفة لما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم تورث شدة وبلاء
وفيه: فضل جبل أحد
وفيه: ثبوت الخيرية في جميع بيوت الأنصار، وبعضهم أفضل من بعض