‌‌باب فيمن يستيقظ فيرى بللا ولا يذكر احتلاما

‌‌باب فيمن يستيقظ فيرى بللا ولا يذكر احتلاما

عن عائشة، قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاما؟ قال: «يغتسل»، وعن الرجل يرى أنه قد احتلم ولم يجد بللا؟ قال: «لا غسل عليه»، قالت أم سلمة: يا رسول الله، هل على المرأة ترى ذلك غسل؟ قال: «نعم، إن النساء شقائق الرجال»، وإنما روى هذا الحديث عبد الله بن عمر، عن عبيد الله بن عمر، حديث عائشة، في الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاما، وعبد الله ضعفه يحيى بن سعيد من قبل حفظه في الحديث، وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، والتابعين: إذا استيقظ الرجل فرأى بلة أنه يغتسل، وهو قول سفيان، وأحمد، وقال بعض أهل العلم من التابعين: إنما يجب عليه الغسل إذا كانت البلة بلة نطفة، وهو قول الشافعي، وإسحاق، وإذا رأى احتلاما ولم ير بلة فلا غسل عليه عند عامة أهل العلم

نُزُولُ المَنِيِّ يسبِّبُ الحدَثَ الأكبرَ الَّذِي يَلزَمُ الغُسلُ مِنْهُ، ومِن دَوَاعِي نُزولِ المَنِيِّ: احتِلامُ الرَّجُلِ فِي نَومِه، وفي هذا الحديثِ أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ علَيْهِ وسَلَّم سُئِلَ عن غُسلِ "الرَّجُلِ يَجِدُ البَلَلَ"، أي: يَجِدُ المَنِيَّ مبلِّلًا ثوبَه، "ولا يَذْكُرُ احتِلامًا"، أي: يرَى المَنِيَّ بَعْدَ استِيقاظِه مِن النَّومِ ولا يَذْكُرُ وقتَه أو حُلمًا تسبَّب فِي إنزالِه، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ علَيْهِ وسَلَّم: "يَغتَسِل"، أي: أنَّ الَّذِي رأَى المَنِيَّ عَلَيْهِ أن يَغتسِلَ، ثُمَّ سُئِلَ صَلَّى اللهُ علَيْهِ وسَلَّم عن غُسلِ الرَّجُلِ الَّذِي "يرَى أَنَّهُ قد احتَلَم ولا يَجِدُ البَلَلَ"، أي: أنَّ الرَّجُلَ رُبَّمَا يَحتَلِمُ ويُخيَّلُ إلَيْهِ أَنَّهُ أنزَلَ المَنِيَّ، فإذا استَيْقَظَ لم يَجِدْ بَلَلَ المَنِيِّ ولا يرَى لَهُ أثرًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ علَيْهِ وسَلَّم: "لَا غُسلَ عَلَيْهِ"، أي: لَيْسَ عَلَيْهِ غُسْلٌ حَتَّى يرَى المَنِيَّ.
فقالت أُمُّ سُلَيْمٍ رَضِيَ اللهُ عنها، وَهِيَ أُمُّ أَنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما: "المَرْأَةُ ترَى ذَلِكَ"، أي: تَجِدُ بَلَلًا مِثْلَ الَّذِي يَجِدُ الرَّجُلُ "أَعَلَيْها غُسلٌ؟" فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ علَيْهِ وسَلَّم لَهَا: "نَعَمْ"، أي: عَلَيْها غُسْلٌ، "إنَّما النِّساءُ شَقائِقُ الرِّجالِ"، أي: إنَّ النِّساءَ نظائِرُ وأمثالُ الرِّجالِ فِي الأحكامِ المُشتَرَكةِ بينهُما، وَهذا تعريضٌ مِنْهُ صَلَّى اللهُ علَيْهِ وسَلَّم بأنَّ المرأةَ مِثْلُ الرَّجُلِ فِي الاحتِلامِ ونُزولِ المَنِيِّ، ولكنْ هذا مَقامٌ لم يُصرَّحْ فِيهِ بألفاظِه الصَّرِيحَةِ، وَهذا حياءٌ مِنْهُ صَلَّى اللهُ علَيْهِ وسَلَّم، وَلأنَّ المرأةَ فَهِمتِ المقصودَ من القَدْرِ الذي أجابَ به صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عليها.