باب قول الله تعالى {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله}
بطاقات دعوية
عن أبي حازم عن سهْلِ بن سعدٍ قالَ: [إِنا كُنَّا نفرحُ بيومِ الجمعة]، [قلت لسهل: ولِمَ؟ قال:] كانتْ فينا امرأةٌ [عجوزٌ] تجعلُ على أربعاءَ في مزرعةٍ لها سِلْقاً، (وفي روايةٍ: ترسِل إِلى بُضاعةَ نَخْلٌ بالمدينةِ) فكانتْ إِذا كانَ يومُ الجمعةِ، تَنزِعُ أُصولَ السِّلقِ، فتجعلُهُ في قِدْرٍ [لها]، ثم تجعلُ عليهِ قَبضةً من شَعيرٍ تطحَنُها (وفي روايةٍ: وتُكَرْكِرُ حباتٍ من شعير) فتكونُ أُصولُ السِّلقِ عَرْقَه، [والله ما فيه شحم ولا ودَكٌ]، وكنَّا ننصرفُ من صلاةِ الجمعةِ، فنسَلمُ عليها، فتقرِّبُ ذلكَ الطعامَ إِلينا، فنلعَقُه، وكنَّا نتَمنَّى يومَ الجمعةِ لِطعامِها ذلكَ. [وقالَ: ما كنَّا نَقِيلُ ولا نتغدَّى إِلا بعدَ الجمعةِ].
(وفي روايةٍ عنه قالَ: كنا نصَلي معَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - الجمعةَ ثم تكُونُ القائلةُ).
في هذا الحديثِ إشارةٌ إلى ما كان عليه صَحابةُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن القَناعةِ معَ شِدَّةِ العَيشِ؛ فيُخبِرُ سَهْلُ بنُ سَعدٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ امرأةً -وفي رِوايةٍ أُخرَى في صَحيحِ البُخاريِّ: «عَجوزٍ»- كانتْ تَجتهِدُ في صُنعِ الطَّعامِ للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأصحابِه رَضيَ اللهُ عنهم كلَّ جُمعةٍ، وكان ذلك عادةً لها، وكانت تَجعَلُ على أربعاءَ، والأربعاءُ: الجَداولُ والأنهارُ الصَّغيرةُ مِن الماءِ، ومعناهُ: أنَّها كانت تَضَعُ على هذه الجَداولِ الَّتي في مَزرعتِها نَباتَ السِّلْقِ، وكانت يومَ الجُمُعةِ تَنزِعُ أُصولَ السِّلقِ فتَضَعُه في قِدرٍ وعليه شَعيرٌ وتَطحَنُه وتَطبُخُه، فتكونُ أُصولُ السِّلْقِ عَرْقَه، أي: مِن أثَرِ الطَّبخِ في المرَقةِ، والعَرْقُ هو اللَّحمُ الَّذي يكونُ على العَظْمِ، والمعنى أنَّ هذا السِّلْقَ كان عِوَضًا عن اللَّحمِ لهم، وكانوا يَمُرُّونَ عليها بعدَ الجُمُعةِ فتُقرِّبُ إليهم هذا السِّلقَ فيَلعَقونه، ويقولُ سَهلُ بنُ سَعدٍ رَضيَ اللهُ عنه: إنَّهم كانوا يَتمنَّوْنَ يومَ الجُمُعةِ لطَعامِها ذلك؛ لأنَّ الصَّحابةَ وخاصَّةً المهاجرينَ رَضيَ اللهُ عنهم لم يَكونوا أغنياءَ إلَّا بعدَ أنْ فتَحَ اللهُ عليهم، فكثُرَتِ الأموالُ بعْدَ الفُتوحِ، أمَّا قبْلَ ذلك فإنَّ أكثرَ الصَّحابةِ كانوا فُقراءَ.
وفي الحديثِ: دَلالةٌ على قَناعةِ الصَّحابةِ رَضيَ اللهُ عنهم، ورِضاهُم بالقليلِ مِن العَيشِ.
وفيه: أنَّ المسلِمَ لا يَنْبغي أنْ يَحقِرَ مِن المعروفِ شَيئًا.