باب قول الله تعالى: (من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها

بطاقات دعوية

باب قول الله تعالى: (من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها

 عن أبي موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه:
كان إذا أتاه السائل أو صاحب الحاجة [أقبل علينا بوجهه فـ 7/ 80] قال:
"اشفعوا فلتؤجروا، وليقض الله على لسان رسوله ما شاء".

أقام النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المُجْتَمعَ المُسلِمَ على عَلاقةِ الأُخوَّةِ في الدِّينِ، وجَعَلَها أشدَّ مِن أُخوَّةِ النَّسبِ والدَّمِ؛ لأنَّ دِينَ المَرءِ هو لَحْمُهُ ودَمُهُ.
وفي هذا الحديثِ يَقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «المؤمنُ للمؤمنِ كالبُنْيانِ، يَشُدُّ بعضُهُ بعضًا»، أي: كمِثْلِ تَماسُكِ البِناءِ وقوَّتِهِ، والمُرادُ: كلُّ مُؤمنٍ كاملِ الإيمانِ يكونُ مِن تَمامِ إيمانِهِ أنْ يُساعِدَ أخاهُ المؤمنَ ويُسانِدَهُ بما فيه نَفْعُهُ في الدُّنيا والآخِرةِ، أو يَنْبَغي لكلِّ مُؤمنٍ أنْ يكونَ كذلك، «ثُمَّ شبَّكَ بيْن أصابِعِهِ»، أي: أَدْخَلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أَصابِعَ إحْدى يَدْيهِ في الأُخْرى؛ ليُصوِّرَ حالةَ التَّرابُطِ بيْن المؤمنين، ويُبَيِّنَ أنَّ التَّداخُلَ والتَّرابُطَ بيْنهم كتَشابُكِ أدواتِ البِناءِ وتَداخُلِ بعضِها في بعضٍ.
وقالَ أبو مُوسى الأَشْعريُّ رَضِيَ اللهُ عَنْه: «وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جالِسًا، إذْ جاء رَجُلٌ يَسأَلُ -أو طالِبُ حاجةٍ-»، أي: يَسْعى بطَلَبِهِ وحاجتِه إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ويَتوجَّهُ بها إليه، فتَوجَّهَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى الصَّحابَةِ بوَجْهِهِ؛ ليُنبِّهَهُمْ ويُرْشِدَهُمْ، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لهم: «اشْفَعوا»، أي: تَوسَّطوا في طَلَبِ حاجاتِ النَّاسِ وقَضائِها، وارْفَعُوها لمَن يَقْضِيها، وهذا على وَجْهِ العُمومِ، والمعنى المقصودَ هنا أنْ يُبَلِّغوا حاجاتِ النَّاسِ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، «فلْتُؤجَروا»، أي: فتَنالوا الأَجْرَ، وتَأخُذوا الثَّوابَ مِن اللهِ تعالَى، «وليَقْضِ اللهُ على لِسانِ نبيِّهِ ما شاء»، أي: ولْيُجْرِ الله على لِساني ما شاء؛ فإنْ قَضَيتُ حاجةً ممَّا شَفَعْتُم فيه فهو بتَقْديرِ اللهِ، وإنْ لم أَقْضِ فهو أيضًا بتَقْديرِ اللهِ، ومِن قَضاءِ اللهِ وحُكْمِهِ الذي أَجْراه على لِسانِ نبيِّه: أنَّ مَن تَوسَّطَ بالخيرِ وكان سَببًا في قَضاءِ حاجاتِ النَّاسِ؛ فإنَّه يُؤجَرُ ويُثابُ، على أنَّ الشَّفاعَةَ يَنْبَغي أنْ تكونَ في الخيرِ والمعروفِ، وليس فيما يُبْغِضُه اللهُ مِنَ المَعاصي، ولا في الحُدودِ ونحوِها بعْدَ رفْعِها للإمامِ.
وفي الحديثِ: الحَضُّ على الشَّفاعةِ للمؤمنين في حوائِجِهم.
وفيه: الحضُّ على الخيرِ بالفِعلِ، وبالتسَبُّبِ إليه بكُلِّ وجهٍ حتى يحصُلَ الأجرُ بذلك.
وفيه: أنَّ الشَّافِعَ مأجورٌ وإن لم تُقْضَ الحاجةُ بشفاعتِه.