باب لم يكن النبي فاحشا ولا متفحشا 1
بطاقات دعوية
عن مسروق قال: دخلنا على عبد الله بن عمرو حين قدم مع معاوية إلى الكوفة، فذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال:
لم يكن فاحشا، ولا متفحشا، وقال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"إن من أخيركم (وفي رواية: خياركم 4/ 166، وفي أخرى: أحبكم إلي 4/ 218) أحسنكم خلقا".
قال اللهُ تعالَى عن نَبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظيمٍ} [القلم: 4]، فهو أكمَلُ النَّاسِ أخْلاقًا؛ فقدْ أدَّبَه رَبُّه فأحسَنَ تَأْديبَه.
وفي هذا الحَديثِ يَرْوي عبدُ اللهِ بنُ عَمرِو بنِ العاصِ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لم يكُنْ فاحشًا ولا مُتفحِّشًا، فلم يكُنْ ناطقًا بالفُحشِ ولا مُتكلِّفًا فيه، فلم يكُنِ الفُحشُ خُلقًا أصيلًا فيه ولا مُكتَسبًا، والفُحشُ: زِيادةُ الشَّيءِ على المألوفِ مِن مِقْدارِه. والمُتفحِّشُ: الَّذي يَتكلَّفُ ذلك ويَتعمَّدُه؛ لفَسادِ حالِه، وقد يكونُ المُتفحِّشُ الَّذي يَأْتي الفاحشةَ، فكان صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لا يَصدُرُ منه الكَلامُ القَبيحُ طَبعًا، ولا تَطبُّعًا، ولا مُجاراةً لغَيرِه، فلا يَستفِزُّه السُّفهاءُ فيُجاريَهم في سفَهِهم؛ لأنَّه أملَكُ النَّاسِ لغَرائزِه وانْفِعالاتِه النَّفْسيَّةِ، فإذا تجرَّأَ عليه سَفيهٌ بالشَّتيمةِ لا يرُدُّ عليه بمِثلِها امتِثالًا لأمرِ ربِّه الَّذي أدَّبَه بقَولِه: {وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199].
وكان صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَقولُ: «إنَّ مِن خِيارِكم أحسَنَكم أخْلاقًا»، يَعني: أفضَلُكم هو أحسَنُكم خُلُقًا. وحُسنُ الخُلقِ هو صِفةُ أنْبياءِ اللهِ تعالَى وأوْليائِه، وحَقيقةُ حُسنِ الخُلقِ بَذلُ المَعروفِ وكفُّ الأذى، وطَلاقةُ الوَجهِ، ومُخالَطةُ النَّاسِ بالجَميلِ والبِشرُ، والتَّودُّدُ لهم، والإشْفاقُ عليهم، واحتِمالُهم، والحِلمُ عنهم، والصَّبرُ عليهم في المَكارِهِ، وتَركُ الكِبرِ والاستِطالةِ عليهم، ومُجانَبةُ الغِلْظةِ، والغَضبِ، والمؤاخَذةِ.
وفي الحَديثِ: الحثُّ على حُسنِ الخُلقِ.
وفيه: بَيانُ كَمالِ خُلقِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفيه: بَيانُ فَضيلةِ صاحِبِ الخُلقِ الحَسنِ.