باب قوله تعالى: (وكان الإنسان أكثر شيء جدلا) 1

بطاقات دعوية

باب قوله تعالى: (وكان الإنسان أكثر شيء جدلا) 1

عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال:
إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طرقه وفاطمة عليها السلام بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[ليلة 8/ 190]، فقال لهم: "ألا تصلون؟ "، فقال علي: فقلت: يا رسول الله! إنما أنفسنا بيد الله، فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا، فانصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين قال: له ذلك، ولم يرجع إليه شيئا، ثم سمعه وهو مدبر يضرب فخذه، وهو يقول: " (وكان الإنسان أكثر شيء جدلا) ".
قال أبو عبد الله: يقال ما أتاك ليلا فهو طارق.
ويقال: (الطارق): النجم، و (الثاقب): المضيء. يقال: اثقب (24) نارك للموقد.

حرَصَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على قِيامِ اللَّيلِ، ولم يَتْرُكْه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلَّا مُضْطرًّا إذا مَرِضَ، وكان يحُثُّ أهْلَه ويُحرِّضُهم على قِيامِ اللَّيلِ، ويَتفقَّدُهم في ذلك.
وفي هذا الحَديثِ يَحكي عليُّ بنُ أبي طالِبٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ جاء إليه وإلى فاطِمةَ ليلًا، فوَجَدَهما نائِمَينِ، فحثَّهما على الصَّلاةِ قائلًا: ألَا تُصَلِّيانِ؟ فأجابَه علِيٌّ: يا رَسولَ اللهِ، أنفُسُنا بِيَدِ اللهِ، أي: فاعتَذَر بأنَّهما إنَّما تَرَكا الصَّلاةَ دونَ إرادتِهما؛ لأنَّهما كانا نائِمَينِ، وأرْواحُهما لَيستْ بأيْديهما حتَّى يَستَيقِظَا متى شاءَا، وإنَّما هي بيَدِ اللهِ سُبحانَه، وقد أخَذَ هذا المعْنى مِن قولِ اللهِ تعالَى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} [الزمر: 42]، فانصَرَف النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عندَما قال علِيٌّ ذلك، ولم يَرُدَّ عليه بشَيءٍ.
قال علِيُّ بنُ أبي طالِبٍ رَضيَ اللهُ عنه: ثُمَّ سَمِعْتُه وهو ذاهِبٌ يَضرِبُ على فَخِذِه وهو يَقولُ: {وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} [الكهف: 54]، وإنَّما ضَرَبَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على فَخِذِه وذَكَرَ الآيةَ الكريمةَ؛ تَعَجُّبًا مِن تَسرُّعِ عليٍّ رَضيَ اللهُ عنه ومُبادرتِه إلى هذا الجوابِ، وتَعبيرًا عن عدَمِ رِضاهُ عن جَوابِه. وقيل: هذا إنكارٌ لِجَدَلِ علِيٍّ رَضيَ اللهُ عنه؛ لأنَّه تَمسَّكَ بتَقديرِ اللهِ ومَشيئتِه في مُقابَلةِ التَّكليفِ، وهذا الفَهْمُ مَردودٌ، ولا يَتأتَّى إلَّا عن كَثرةِ جَدَلِه. والتَّكليفُ بقِيامِ اللَّيلِ ليس على سَبيلِ الوُجوبِ، بلِ النَّدبِ؛ لذلك انصَرفَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عنهما، ولو كان واجبًا ما تَرَكَهما على حالِهما.
وفي الحديثِ: التَّحريضُ على قِيامِ اللَّيلِ، والحثُّ عليه، وإيقاظُ النَّائمينَ له.
وفيه: أنَّ علَى المُسلمِ أنْ يُجاهِدَ نفْسَه في المُواظَبةِ على النَّوافِلِ والطَّاعاتِ؛ مِن قِيامٍ وغيرِه، وألَّا يُبادِرَ إلى الْتِماسِ الأعذارِ، وإنَّما يُحاوِلُ التَّغَلُّبَ عليها ما أمكَنَ.
وفيه: تَعاهُدُ الإمامِ والكَبيرِ رَعيَّتَه بالنَّظَرِ في مَصالحِ دِينِهم.