باب قوله: {لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام

بطاقات دعوية

باب قوله: {لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام

عن عائشة - رضى الله عنها - قالت: خرجت سودة [بنت زمعة ليلا 6/ 159] بعد ما ضرب الحجاب لحاجتها، وكانت امرأة جسيمة لا تخفى على من يعرفها، فرآها عمر بن الخطاب [فعرفها] فقال: يا سودة! أما والله ما تخفين علينا، فانظرى كيف تخرجين. قالت: فانكفأت راجعة ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى بيتى، وإنه ليتعشى، وفى يده عرق، فدخلت، فقالت: يا رسول الله! إنى خرجت لبعض حاجتى، فقال لي عمر كذا وكذا. قالت: فأوحى الله إليه، ثم رفع عنه، وإن العرق فى يده ما وضعه، فقال: إنه قد أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن [قال هشام: تعني البراز 1/ 46] (148).

كانتْ مِن عادةِ العربِ أنَّهم لا يَتَّخِذون الكُنُفَ والحمَّاماتِ في بُيوتِهم، وكانوا يَقْضون حاجتَهم مِنَ التَّبَوُّلِ والتَّبَرُّزِ في خَلاءِ الصَّحْراءِ، وكانتِ النِّساءُ العَفيفاتُ الحرائِرُ يَخْرُجْنَ لقَضاءِ حاجَتهِنَّ لَيْلًا؛ لِئَلَّا يَتعرَّض لَهُنَّ أَحَدٌ.
وفي هذا الحديثِ تُخبرُ أمُّ المُؤمِنينَ عائشةُ رضِيَ اللهُ عنها أنَّ أمَّ المُؤمِنينَ سَوْدَةَ بنتَ زَمعةَ رَضِيَ اللهُ عنها زوجَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، خَرَجَتْ لِتَقضيَ حاجتَها من بَوْلٍ أو غائِطٍ بعْدَما أَنْزَلَ اللهُ آيةَ الحِجابِ وفرَضَه على زَوْجاتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وكانتِ رَضِيَ اللهُ عنها «امرأةً جَسيمَةً»، أي: طَويلةً ضَخمةَ الجِسْمِ، «لا تَخْفى على مَنْ يَعرِفُها»، فهي تُعْرَفُ مِنْ جِسمِها وتُمَيَّزُ عن سائِرِ النِّساءِ حتَّى بعْدَ حِجابِها، وذلك لِمَنْ كان يَعرِفُها قَبْلَ الحِجابِ، «فرآها عُمرُ بنُ الخطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه»، فعرَفها حالَ خُروجِها ومَيَّزَها، فقال: «يا سَوْدَةُ، أمَا واللهِ ما تَخْفَيْنَ علينا، فانظُري كيف تَخْرُجِينَ»، أي: يَأمُرُها رضِيَ اللهُ عنه أنْ تَسَتتِرَ بأكثرَ من ذلك؛ حتَّى لا تُعرَفَ. فأحبَّ أن يُحجَبَ أشخاصُ نِساءِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مبالغةً في التسَتُّرِ، قالتْ أمُّ المُؤمِنينَ عائشةُ رضِيَ اللهُ عنها: «فانْكَفَأَتْ راجِعَةً»، أي: انقلبَتْ ورجَعَتْ إلى بَيتِها دونَ الخُروجِ إلى حاجتِها، وكان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في بيت أمِّ المُؤمِنينَ عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها يتناوَلُ العَشاءَ، وفي يَدِهِ الشَّريفةِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَرْقٌ، أي: عَظْمٌ عليه لَحْمٌ، فدخَلَتْ أمُّ المُؤمِنينَ سَوْدَةُ رَضِيَ اللهُ عنها على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأخبرته بما كان مِن عُمرَ رضِيَ اللهُ عنه، فأَوحى اللهُ إليه فيما يَتعلَّقُ بشأنِ خُروجِهِنَّ في اللَّحْظَةِ نَفْسِها، وكان اللَّحمُ الذي يأكُلُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في يَدِهِ وما وَضَعَهُ، ثم رُفِعَ الوَحْيُ عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وانقَضى وبلَغَهُ أمْرُ اللهِ، فأخبر النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ قدْ أَذِنَ للنِّساءِ في الخُروجِ لِقضاءِ حاجتِهنَّ مِن بَولٍ أو غائِطٍ وغيرها من ضروراتِ الحياةِ. فأمَرَ اللهُ نِساءَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالتَّسَتُّرِ دونَ المُغالاةِ الزَّائدةِ، وفي الوَقْتِ نَفْسِهِ سَمَح لَهُنَّ بما لا بُدَّ منه في الحياةِ مِنَ الخُروجِ لِقَضاءِ الحاجاتِ البَشَريَّةِ.
وفي الحَديثِ: غَيرةُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنه على زوجاتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أمَّهاتِ المؤمِنينَ.
وفيه: أنَّ الطَّاعةَ على قَدْرِ الاستطاعةِ دونَ إفراطٍ أو تفريطٍ.
وفيه: جوازُ كَلامِ الرِّجالِ مع النِّساءِ في الطُّرقِ للحاجةِ.
وفيه: جوازُ الإغلاظِ في القَولِ لِمن يقصِدُ الخيرَ.
وفيه: جوازُ وَعظِ الرَّجُلِ أمَّه في الدِّينِ؛ لأنَّ سَودةَ مِن أمَّهاتِ المؤمِنين.
وفيه: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان ينتَظِرُ الوَحْيَ في الأُمورِ الشَّرعيَّةِ؛ لأنَّه لم يأمُرْهنَّ بالحِجابِ مع وُضوحِ الحاجةِ إليه حتى نزلت الآيةُ، وكذا في إذْنِه لهنَّ بالخُروجِ.