باب لا حمى إلا لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم

بطاقات دعوية

باب لا حمى إلا لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم

عن الصعب بن جثامة قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
"لا حمى إلا لله ولرسوله".
وقال (ابن شهاب): بلغنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حمى (النقيع) (6)، وأن عمر حمى (السرف) و (الربذة)

هذا الحَديثُ يُرسي قَواعِدَ مُتَعدِّدةً، ومِن ذلك أنَّ ما لا يَتِمُّ الواجبُ إلَّا به، لا سَبيلَ لِتَرْكِه أوِ التَّحرُّزِ عنه، ولَمَّا كان المُسلِمونَ يَحتاجونَ إلى الإغارةِ على عَدُوِّهم لَيلًا؛ لِيُفاجِئُوهم ويُحقِّقوا النَّصرَ، وكان هذا الهُجومُ في اللَّيلِ قد يَترتَّبُ عليه قَتْلُ مَن لا يُقتَلُ، كالنِّساءِ والأولادِ؛ أذِنَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في ذلك، كما يُبيِّنُ هذا الحَديثُ، فيَروي الصَّعبُ بنُ جَثَّامةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه عِندَما مَرَّ عليه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالأبْواءِ -أو بوَدَّانَ- وهُما مَوضِعانِ بَينَ مَكَّةَ والمَدينةِ، وتَبعُدُ الأبواءُ عن مَكَّةَ (200 كم)، وعنِ المَدينةِ (170 كم)، وبَينَ الأبواءِ ووَدَّانَ نَحوُ ثَمانيةِ أميالٍ. فسَأَلَه عن أهلِ الدَّارِ الحَربيِّينَ يُبَيَّتونَ، أي: يُهجَمُ عليهم لَيلًا، بحيث لا يُعرَفُ رَجُلٌ مِنَ امرأةٍ، فيُصابُ مِن نِسائِهم وذَراريِّهم، أي: أطفالِهم، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «هُم منهم»، فأطفالُ المُشرِكينَ ونِساؤُهم مِنَ المُشرِكينَ؛ فلا حَرَجَ في إصابَتِهم إذا كانوا مُختَلِطينَ معهم، ولا يُمكِنُ الوُصولُ إلى قَتْلِ الكِبارِ إلَّا بقَتْلِهم، وليس المُرادُ قَتْلَهم بطَريقِ القَصدِ إليهم؛ لأِنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نَهَى عن قَتلِ النِّساءِ والصِّبيانِ، ولكِنْ لَمَّا دَعَتِ الحاجةُ إلى ذلك لم يَكُنْ مَفَرٌّ منها.
وفي رِوايةِ أحمَدَ أخبَرَ الزُّهريُّ أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «نَهى عن ذلِكَ بَعدُ»، ويَقصِدُ بذلك نَهْيَه عن قَتلِهم يَومَ حُنَيْنٍ، أي: نَهى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن إصابةِ الأطْفالِ والنِّساءِ في الحُروبِ نِهائيًّا بَعدَ أنْ كان أباحَها.
ثمَّ قال الصَّعْبُ بنُ جَثَّامةَ رَضيَ اللهُ عنه: وسَمِعتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَقولُ: «لا حِمَى إلَّا للهِ ولِرَسولِه»، والحِمى بمَعْنى المَحميِّ، وهو مَكانٌ يُحْمى مِنَ النَّاسِ والماشِيةِ؛ لِيَكثُرَ كَلَؤُه وعُشبُه، فيَجعَلُه الإمامُ مَخصوصًا برَعْيِ بَهائمِ الصَّدَقةِ مَثَلًا، فلا يَنبَغي لِأحَدٍ أنْ يَفعَلَ ذلِكَ إلَّا بإذْنٍ مِنَ اللهِ ورَسولِه، ومَن يَقومُ مَقامَه مِن خُلَفائِه على الوَجْهِ الذي أذِنَ اللهُ فيه ورَسولُه، وذلك على قَدْرِ الحاجةِ والمَصلَحةِ، وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَحْمي لِخَيلِ الجِهادِ وإبِلِ الصَّدَقةِ، وقدْ حَمى الخَليفةُ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه لإبِلِ الصَّدَقةِ والخَيلِ المُعَدَّةِ في سَبيلِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، ولِلإمامِ أنْ يَحميَ على وَجْهِ النَّظَرِ في تَقويةِ الخَيلِ، ما لم يُضَيِّقْ على العامَّةِ المَرْعى. وهذا يَدُلُّ على أنَّ حُكْمَ الأرَضينَ إلى الأئمَّةِ، لا إلى غَيرِهم.