باب تفسير المشبهات
بطاقات دعوية
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان عتبة بن أبي وقاص عهد (10) إلي أخيه سعد بن أبي وقاص؛ أن ابن وليدة زمعة مني، فاقبضه [إليك 8/ 9]، [وقال عتبة: إنه ابني 5/ 91]، قالت: فلما كان عام (وفي رواية: فلما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة في 5/ 96) الفتح أخذه سعد بن أبي وقاص، وقال: ابن أخي، قد [كان 3/ 187] عهد إلي فيه، فقام [إليه 8/ 116] عبد بن زمعة، فقال: [يا رسول الله!] أخي، وابن وليدة أبي، ولد على فراشه، فتساوقا (11) إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، (وفي رواية: اختصم سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة في غلام 3/ 39)، فقال سعد: [هذا] يا رسول الله! ابن أخي [عتبة بن أبي وقاص]، كان قد عهد إلي فيه [أنه ابنه (وفي رواية: أوصاني أخي إذا قدمت أن أنظر ابن أمة زمعة فأقبضه، فإنه ابني 3/ 91)، انظر إلى شبهه]، فقال عبد بن زمعة: [هذ]، أخي [يا رسول الله!]، وابن وليدة أبي، ولد على فراشه، [فنظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى شبهه، فرأى شبها بينا بعتبة]، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"هو لك، [هو أخوك 5/ 96] يا عبد بن زمعة! "،
ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:
"الولد للفراش، وللعاهر الحجر" (12).
ثم قال لسودة بنت زمعة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -:
"احتجبي منه يا سودة! "؛ لما رأى من شبهه بعتبة، فما رآها حتى لقي الله [تعالى]، [وكانت سودة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - 3/ 120]، [وكان أبو هريرة يصيح بذلك] (13)
كانَت عادةُ الجاهليَّةِ إلْحاقَ النَّسبِ بالزِّنى، وكانوا يَستأجِرون الإماءَ للزِّنى، فمَن اعترَفَت الأُمُّ بأنَّه له ألْحَقوه به، فجاءَ الإسلامُ بإبطالِ ذلِك وبإلْحاقِ الوَلَدِ بالفِراشِ الشَّرعيِّ.
وفي هذا الحَديثِ تَروي أمُّ المُؤمِنين عائشةُ رَضِيَ اللهُ عنها أنَّ عُتْبَةَ بنَ أبِي وقَّاصٍ -والأشهَرُ أنَّه مات كافرًا- أوصى إلى أخِيهِ سَعْدِ بنِ أبِي وقَّاصٍ أنَّه وقَعَ وعاشَرَ جاريةَ زَمْعَةَ بنِ قيْسٍ، وهو والِدُ سَودةَ زَوجِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، والوليدةُ: الجاريةُ والأمةُ المملوكةُ، وأنَّ ابنَها -عبدَ الرَّحمنِ بنَ زَمعةَ- هو ابنُه، فأوصى أخاه سعدًا أن يَضُمَّه إليه ويرعاه، فلمَّا كانَ عامُ فتْحِ مكَّةَ سَنةَ ثَمانٍ مِن الهجرةِ، أَخَذَ سَعدُ بنُ أبي وقَّاص الوَلَدَ، وقال: هو ابنُ أخي عُتبةَ، قدْ عَهِد إليَّ فيه أنْ أَستَلحِقَه به، فقامَ عبدُ بنُ زَمْعَةَ فقالَ: هو أخي، وابنُ وَليدةِ أَبي، ووُلِدَ على فِراشِه، فلمَّا تَخاصَم عبدُ بنُ زَمْعَةَ وسَعْدُ بنُ أبي وقَّاص، وقام سَعْدٌ بما عَهِدَ إليه أخوه عُتْبةُ مِن سِيرةِ الجاهليَّةِ، ولم يَعلَمْ سَعْدٌ بُطلانَ ذلِك في الإسلامِ، ولم يكُنْ حَصَل إلحاقُه في الجاهليَّةِ؛ إمَّا لِعَدَمِ الدَّعوى، وإمَّا لِكَونِ الأُمِّ لَم تَعتَرفْ به لِعُتبةَ، فتَدافَعا بعْدَ تَخاصُمِهما وتَنازُعِهما في الولَدِ، وذهبا إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وحَكَيا إلَيه، فقالَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: الولَدُ لَكَ يا عبْدُ بنَ زَمْعَةَ، فالولَدُ تابِعٌ لصاحِبِ الفِراشِ، زوْجًا أو سيِّدًا، وللزَّاني الحَجَرُ، وهو كنايةٌ عن الخَيبةِ والخُسرانِ أو الرَّجمِ، وأنَّه لا حَقَّ للزَّاني في الولَدِ، وأمَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم زوجَتَه سَودةَ بنتَ زَمعةَ أن تمتَنِعَ مِن ابنِ زَمعةَ المُتنازَعِ فيه، فلا يراها ولا تراه، فأمَرَها به نَدْبًا واحتياطًا؛ لأنَّه في ظاهِر الشَّرعِ أخوها؛ لأنَّه أُلْحِقَ بأبيها، لكِن لَمَّا رأى الشَّبَهَ البَيِّنَ بِعُتبةَ بنِ أبي وقَّاص خَشِي أنْ يَكونَ مِن مائِه، فيكونَ أجنبيًّا منها، فأمَرَها بالاحتِجابِ منه؛ احتياطًا، فما رآها حتَّى لَقِي اللهَ عزَّ وجلَّ وماتَ.
وفي الحَديثِ: أنَّ الأحكامَ تجري على الظَّاهِرِ الثَّابِتِ.
وفيه: الأخذُ بالاحتياطِ عندَ وُقوعِ الشُّبُهاتِ.