‌‌باب لا صلاة قبل العيدين ولا بعدها1

سنن الترمذى

‌‌باب لا صلاة قبل العيدين ولا بعدها1

حدثنا محمود بن غيلان قال: حدثنا أبو داود الطيالسي، قال: أخبرنا شعبة، عن عدي بن ثابت، قال: سمعت سعيد بن جبير، يحدث عن ابن عباس، «أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم الفطر فصلى ركعتين، ثم لم يصل قبلها ولا بعدها» وفي الباب عن عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وأبي سعيد: «حديث ابن عباس حديث حسن صحيح» والعمل عليه عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم، وبه يقول الشافعي، وأحمد، وإسحاق " وقد رأى طائفة من أهل العلم: الصلاة بعد صلاة العيدين وقبلها من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم والقول الأول أصح "
‌‌

جعَلَ الإسلامُ للمَرأةِ المسلمةِ مَكانةً ومَنزلةً وشَأنًا، بعْدَ أنْ كانتْ في الجاهليَّةِ لا تَزيدُ عن سَقَطِ المَتاعِ في البيتِ، ولم يَحرِمْها الشَّارعُ الحكيمُ مِن المشاركةِ في إظْهارِ شَعائرِ الإسلامِ إذا الْتُزِمتِ الضوابطُ الشرعيَّةُ في ذلِك؛ مِن أجْلِ ذلك نَدَبها إلى الخُروجِ إلى مُصلَّى العِيدِ؛ لتَشهَدَ الخيرَ ودَعوةَ المُسلِمينَ.
وفي هذا الحديثِ تَذكُرُ التَّابعيَّةُ حَفصةُ بنتُ سِيرينَ أنَّهم كانوا يَمنَعونَ الشَّابَّةَ حَديثةَ العَهدِ بالبلوغِ مِن الخُروجِ مِن بَيتِها إلى مُصلَّى العيدِ؛ ورُبَّما كانوا يَفْعَلون ذلك لعدَمِ عِلمِهم بمَشروعيَّتِه، أو كأنَّهم كانوا يَفعَلون ذلك بسَببِ ما حدَثَ بعدَ العَصرِ الأوَّلِ مِن الفَسادِ ونحْوِه، حتَّى قدِمَتْ عليهم امرأةٌ لم تُسَمِّها، فنَزَلَتْ في قَصْرِ بني خَلَفٍ، وهو قَصْرٌ بالبَصرةِ مَنسوبٌ إلى خَلَفٍ جَدِّ طَلحةَ بنِ عبدِ اللهِ بنِ خلَفٍ المَعروفِ بطَلْحةَ الطَّلَحاتِ، فلمَّا رأَتْ تلك المرأةُ النَّاسَ على هذه الحالِ مِن مَنعِ النِّساء مِن الخُروجِ إلى مُصلَّى العيدِ، حدَّثَتْهم عن زَوجِ أختِها، وأنَّه شَهِدَ مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ اثنتَيْ عَشْرةَ غَزوةً، وشَهِدتْ معه أختُها سِتَّ غزَواتٍ منهنَّ، فكانت تقومُ مع النِّساءِ برِعايةِ المرضَى ومُداواةِ الجَرْحى، وفي يومِ عِيدٍ سَأَلتْ أخْتُها النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن خُروجِ المرأةِ إلى مُصلَّى العِيدِ إذا لم يكُنْ لَدَيها خِمارٌ واسعٌ يُغطِّي رَأسَها وسائرَ بَدنِها، فأرْشَدَها النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى أنْ تَستعيرَه مِن أُختِها المسلمةِ، ولا تَحرِمَ نفْسَها مِن الخُروجِ إلى المُصلَّى وحُضورِ الخيرِ ودَعوةِ المسلِمينَ.
ثمَّ تُخبِرُ حَفْصةُ بنتُ سِيرينَ أنَّ أمَّ عطيَّةَ لَمَّا قَدِمَتْ عليهم، سَألَتْها عن حَديثِ المرأةِ، فأقرَّتْه وصَدَّقَتْه، وأخبَرَتْها أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يَأمُرُ جَميعَ النِّساءِ -حتَّى الحائضَ والشَّابَّةَ حَديثةَ البُلوغِ- بالخُروجِ إلى مُصلَّى العِيدِ.
فسَأَلَت حَفْصةُ بنتُ سِيرينَ أُمَّ عطيَّةَ مُستفهِمةً: هلِ المرأةُ الحائضُ تَشهَدُ العِيدَ؟ فقالتْ: نعَمْ، أفْدِيه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأبي، ثمَّ استَدَلَّت بعِدَّةِ أحوالٍ تَحضُرُها المرأةُ؛ فقالتْ: أليس الحائضُ تَشهَدُ عَرَفاتٍ وتَحضُرُه، وتَشهَدُ كذا؟ وتَشهَدُ كذا؟ مِثلَ المُزدلفةِ ورَمْيِ الجِمارِ، وهذا تَعدادٌ للمواقفِ والتَّجمُّعاتِ الكَبيرةِ التي تَحضُرُها المرأةُ وهي في حالةِ الحَيضِ، وقياسًا عليها فإنَّ لها أنْ تَحضُرَ إلى مُصلَّى العِيدِ، ولكنْ تكونُ خلْفَ الصُّفوفِ دونَ أنْ تُصلِّيَ.
وفي الحديثِ: أنَّ الحائضَ لا تَهجُرُ ذِكرَ اللهِ، ولا مَواطنَ الخَيرِ، كمجالسِ العِلم والذِّكرِ، سِوى المساجدِ.
وفيه: تَأكيدُ خُروجِ النِّساءِ إلى العِيدِ؛ لأنَّه إذا أمَر مَن لا جِلبابَ لها باستعارةِ جِلبابٍ؛ فمَن لها جِلبابٌ مِن بابِ أَوْلى.
وفيه: بَيانُ جَميلِ أخلاقِ نِساءِ الأنصارِ وحِرصِهنَّ على التَّستُّرِ، وامتِناعُ خُروجِ المرأةِ بغيرِ جِلبابٍ واسعٍ يُغطِّي بدَنَها.
وفيه: خُروجُ المرأةِ إلى الغزْوِ إذا كان في خُروجِها مَصلحةٌ، وأُمِنَتِ الفتنةُ والمَفسدةُ.
وفيه: بَيانُ مَدى تَعظيمِ الصَّحابةِ للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، حتَّى إنَّهم قَلَّما يَذْكُرونَه إلَّا ويُفَدُّونَه بآبائِهم وأمَّهاتِهم صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.