باب لا يصلي بعد الجمعة حتى يتكلم أو يخرج
بطاقات دعوية
عن عمر بن عطاء أن نافع بن جبير أرسله إلى السائب ابن أخت نمر يسأله عن شيء رآه منه معاوية في الصلاة فقال نعم صليت معه الجمعة في المقصورة (1) فلما سلم الإمام قمت في مقامي فصليت فلما دخل أرسل إلي فقال لا تعد لما فعلت إذا صليت الجمعة فلا تصلها بصلاة حتى تكلم أو تخرج فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرنا بذلك أن لا توصل صلاة بصلاة حتى نتكلم أو نخرج. (م 3/ 17
كان التَّابعونَ رَحِمهم اللهُ تعالَى يَحرِصونَ كلَّ الحِرصِ على تَلقِّي العِلمِ وسُنَّةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم عن صَحابتِه رَضِي اللهُ عنهم؛ لأنَّهم رَصَدوا كلَّ كَبيرٍ وصَغيرٍ مِن سُنَّةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، وحَرَصوا على تَعليمِها لمَن بعْدَهم.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ التَّابعيُّ عُمرُ بنُ عَطاءٍ أنَّ نافِعَ بنَ جُبَيرٍ أرْسَلَه إلى الصَّحابيِّ السَّائبِ ابنِ أخْتِ نَمِرٍ رَضِي اللهُ عنه؛ ليَسْألَه عن شَيءٍ رآهُ مُعاويَةُ بنُ أبي سُفيانَ رَضِي اللهُ عنهما -وكان أميرًا للمؤمنين آنَذاكَ- مِن السَّائبِ في الصَّلاةِ، فأنْكَرَه مُعاوِيةُ عليه، فقالَ: «نعمْ»، أي: أُجِيبُك عمَّا تَسأَلُ عنه، فأخبَرَه أنَّه صلَّى مع مُعاوِيةَ رَضِي اللهُ عنه الجمُعةَ في المَقصورَةِ، وهي حُجرةٌ في المَسجدِ للسَّلاطينِ والأُمراءِ، وأوَّلُ مَن عَمِلَها مُعاويةُ بنُ أبي سُفيانَ رَضِي اللهُ عنه حِين ضرَبَه وأراد قتْلَه أحدُ الخَوارجِ، فأرادَ أنْ يَحتميَ بها. فلمَّا سَلَّم الإمامُ قام السَّائبُ في مَكانِه الَّذي صلَّى فيه الجُمعةَ ليُصلِّي النَّافلةَ مِن غيرِ فاصلٍ بيْنها وبيْن الفرْضِ، فلمَّا دخَلَ مُعاوِيةُ رَضِي اللهُ عنه بيْته أرسَلَ إليه رسولًا، فذهَبَ إليه، فقالَ له: لا تَعُدْ لِمَا فعَلْتَ مِن صَلاةِ النَّافلةِ الرَّاتبةِ في مَكانِ الفريضةِ مُباشَرةً، ولكنْ إذا صلَّيتَ الجُمُعةَ فلا تَصِلْها وتَقْرِنْها بصَلاةٍ أُخرى، حتَّى تتَكلَّمَ بكَلامٍ أو تَخرُجَ وتَتحوَّلَ مِن مَكانِ صَلاتِك، كأنْ يُصلِّيَ النَّافلةَ في البيتِ؛ وذلكَ صِيانةً للفريضةِ حتَّى لا يَزيدَ أحدٌ فيها ما ليْس منها مع تَقادُمِ الزَّمنِ، ولئلَّا يَظُنَّ الجاهلُ أنَّها مِن الفرْضِ، ثمَّ أخْبَرَه مُعاويةُ رَضِي اللهُ عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أمَرَهُم بألَّا يَصِلُوا صَلاةً بصَلاةٍ حتَّى يَتكلَّموا أو يَخرُجوا مِن المسجدِ، أو مِن مَكانِ الفَريضةِ بالتَّحوُّلِ منه.
وفي الحَديثِ: فصْلُ النَّافلةِ عن الفريضةِ؛ إمَّا بالكلامِ، أو الخروجِ مِن مَحلِّها.
وفيه: نُصْحُ الرَّاعي لرَعيَّتِه وتَبيينُ الصَّوابِ لهم.