باب لا يعذب بعذاب الله
بطاقات دعوية
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في
بعث، فقال:
"إن وجدتم فلانا وفلانا فأحرقوهما بالنار"، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أردنا
الخروج:
"إني أمرتكم أن تحرقوا فلانا وفلانا، وإن النار لا يعذب بها إلا الله، فإن وجدتموهما فاقتلوهما"
ارتَكَبَ كَثيرٌ مِنَ المُشرِكينَ جَرائمَ في حَقِّ المُسلِمينَ والمُسلِماتِ قبْلَ الهِجرةِ وبعْدَها، واستَحَقُّوا على ذلك العِقابَ، ومِن ذلك أنَّه لَمَّا عَزَمَتْ زَيْنَبُ بِنتُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على الهِجرةِ، وخَرَجتْ قاصِدةً المَدينةَ المُنوَّرةَ، قابَلَها رَجُلانِ مِنَ المُشرِكينَ، وهُما هَبَّارُ بنُ الأسودِ، ورَجُلٌ آخَرُ، قيلَ: هو نافِعُ بنُ عَبدِ قَيسٍ، فضَرَبَا البَعيرَ الذي كانَتْ تَركَبُه، فسَقَطَتْ مِن فَوقهِ، وكانت حامِلًا، فسَقَطَ حَمْلُها.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ أبو هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَعَثَه في سَرِيَّةٍ -وكانتْ بقِيادةِ حَمزةَ بنِ عَمرٍو الأسلَميِّ رَضيَ اللهُ عنه- لِقَتلِ هذَيْن الرَّجُلَيْن، وأمَرَهم صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بحَرقِهما، فلَمَّا جاءَ الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم يُوَدِّعونَه عِندَ الخُروجِ، قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لهم: «إنِّي كُنتُ أمَرتُكم أنْ تُحرِّقوا فُلانًا وفُلانًا بالنَّارِ، وإنَّ النَّارَ لا يُعذِّبُ بها إلَّا اللهُ، فإنْ أخَذْتُموهما فاقتُلُوهما»، يَعني أنَّ التَّعذيبَ بالنَّارِ خاصٌّ به تعالَى، فلا يُعذِّبُ بها غَيرُه؛ لذلك إذا رَأَيتُموهما فاقتُلوهما بغَيرِ النَّارِ، وهذا نَهْيٌ ونَسخٌ لِأمْرِه المُتقَدِّمِ، سَواءٌ كان بوَحْيٍ إليه، أو باجتِهادٍ منه، وقيلَ: هو مَحمولٌ على مَن قَصَدَ إلى ذلك في شَخصٍ بعَينِه لِيُحرِقَه.
ولم يَصِلْ إليهما الجَيشُ، ثمَّ بعْدَ ذلك أسلَمَ هَبَّارٌ وعاشَ إلى خِلافةِ مُعاويةَ رَضيَ اللهُ عنه، وأمَّا الآخَرُ فلم يَرِدْ عنه شَيءٌ، وليس له ذِكرٌ في أسماءِ الصَّحابةِ، فلَعَلَّه ماتَ قبْلَ أنْ يُسلِمَ.
وفي الحَديثِ: مَشروعيَّةُ الحُكمِ بالشَّيءِ اجتهادًا، ثمَّ الرُّجوعُ عنه.
وفيه: النَّهيُ عنِ القَتلِ بالنَّارِ.
وفيه: نَسخُ السُّنَّةِ بالسُّنَّةِ.
وفيه: مَشروعيَّةُ تَوديعِ المُسافِرِ لِأكابِرِ أهلِ بَلَدِه، وتَوديعِ أصحابِه له أيضًا.