باب لزوم المساجد وانتظار الصلاة 2
سنن ابن ماجه
حدثنا أحمد بن سعيد الدارمي، حدثنا النضر بن شميل، حدثنا حماد، عن ثابت، عن أبي أيوب
عن عبد الله بن عمرو، قال: صلينا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المغرب، فرجع من رجع، وعقب من عقب، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسرعا، قد حفزه النفس، وقد حسر عن ركبتيه، فقال: "أبشروا، هذا ربكم قد فتح بابا من أبواب السماء، يباهي بكم الملائكة، يقول: انظروا إلى عبادي قد قضوا فريضة، وهم ينتظرون أخرى" (1).
الصَّلاةُ رُكنٌ مِن أركانِ الإسلامِ، ولها فضْلٌ عظيمٌ ومَنزلةٌ عُليا بين العِباداتِ، وهي صِّلةٌ بين العبدِ وربِّه، وتَتكرَّرُ في اليومِ خمْسَ مرَّاتٍ، وقد رغَّبَ الشَّرعُ في نَوافلِها، ووضَّحَت السُّنَّةُ النَّبويَّةُ أنَّ اللهَ يُباهي ملائكتَه بعِبادِه المُصلِّينَ والَّذين ينتظِرونَ أوقاتَها.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ عبدُ اللهِ بنُ عمرِو بنِ العاصِ رضِيَ اللهُ عنهما ببعْضٍ مِن هذه المعاني، فيقولُ: "صَلَّينا مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المغرِبَ، فرجَعَ مَن رجَعَ"، أي: رجَعَ البعضُ إلى بُيوتِهم، "وعقَّبَ مَن عقَّبَ"، أي: وانتظَرَ البعضُ في المسجِدِ بعدَ انتهاءِ الصَّلاةِ؛ انتظارًا لصلاةِ العِشاءِ، "فجاء رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُسرِعًا قد حفَزَه النَّفَسُ"، أي: أعجَلَه النَّفَسُ وتتابَعَت أنفاسُه، "وقد حسَرَ عن رُكبتَيْه"، أي: كشَفَ الثَّوبَ ورفَعَ عن رُكبتَيْه، فظهَرَتا؛ وذلك لسُرعَتِه في العَدْوِ والمشْيِ؛ لِمَا يحمِلُه مِن بُشْرى لهم، "فقال: أبْشِروا؛ هذا ربُّكم قد فتَحَ بابًا مِن أبوابِ السَّماءِ يُباهي بكم الملائكةَ"، أي: يُفاخِرُ بكم الملائكةَ، "يقولُ ربُّ العِزَّةِ: "انْظُروا إلى عِبادي قد قَضَوا فريضةً وهم ينتظِرونَ أُخرى" أي: إنَّ انْتظارَهم للفريضةِ بعدَ الفريضةِ في المسجِدِ سَببٌ لمُباهاةِ اللهِ ومُفاخرَتِه بهم لملائكتِه، وهذا دليل على فضل انتظار الصلاة بعد الصلاة، وقد روَى مُسلِمٌ، أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: "وانتظارُ الصَّلاةِ بعدَ الصلاةِ، فذَلِكُم الرِّباطُ، فذلِكُم الرِّباط، فذَلِكم الرِّباط"؛ فجعَلَ انتظارَها مِن الرِّباطِ في سبيلِ اللهِ عزَّ وجلَّ؛ فإنَّ مَن صلَّى صلاةً ثم جلَس ينتظرُ أُخرى، ودَاوَمَ على ذلك فقدِ استغرَقَ عُمرَه بالطاعةِ، وكان ذلك بمنزلةِ الرِّباطِ في سبيلِ الله عزَّ وجلَّ.