باب ما أدي زكاته ليس بكنز1
سنن ابن ماجه
حدثنا عمرو بن سواد المصري، حدثنا عبد الله بن وهب، عن ابن لهيعة، عن عقيل، عن ابن شهاب، حدثني خالد بن أسلم، مولى عمر ابن الخطاب قال:خرجت مع عبد الله بن عمر، فلحقه أعرابي، فقال له: قول الله: {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله} [التوبة: 34] قال له ابن عمر: من كنزها فلم يؤد زكاتها، فويل له، إنما كان هذا قبل أن تنزل الزكاة، فلما أنزلت جعلها (1) الله طهورا للأموال، ثم التفت فقال: ما أبالي لو كان لي أحد ذهبا، أعلم عدده وأزكيه، وأعمل فيه بطاعة الله عز وجل (2).
المالُ زِينةُ الحياةِ الدُّنيا، وقد بيَّنَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الحُقوقَ الواجبةَ على مَن ملَكَ مالًا وافرًا؛ مِن الزَّكاةِ والصَّدقةِ، وبيَّن ما له مِن الفضْلِ والأجْرِ على ذلك، كما بيَّنَ عُقوبةَ مانعِ هذه الحُقوقِ.
وفي هذا الحديثِ يَروي التابعيُّ خالدُ بنُ أَسْلَمَ أنَّه كان في سفَرٍ مع عبدِ الله بنِ عُمرَ رَضيَ اللهُ عنهما، فجاء أعرابيٌّ فسَألَه أنْ يُفسِّرَ له قولَ اللهِ تعالَى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: 34]، فأوْضَحَ له أنَّ المرادَ بها الَّذينَ يَجْمَعون الذَّهَبَ والفِضَّةَ ويَكْنِزُونهما، ولم يُؤدُّوا حَقَّهما مِن الزَّكاةِ والصَّدقةِ، ولم يُنْفِقوهما في سَبيلِ اللهِ تعالَى؛ فبَشِّرْهم بعَذابٍ أليمٍ مُوجِعٍ لهم يومَ القِيامةِ.
وكان ذلك قبْلَ أن تُفرَضَ الزَّكاةُ، وكأنَّ اللهَ حذَّرَ الأغنياءَ أوَّلًا مِن إمْساكِ الأموالِ وكَنْزِها وعدَمِ إنفاقِها في سَبيلِ اللهِ سُبحانَه، فلمَّا فُرِضَتِ الزَّكاةُ بعْدَ الهِجرةِ في السَّنةِ الثَّانيةِ جعَل اللهُ سبحانَه وتعالَى الزَّكاةَ والصَّدَقاتِ طُهرةً للأموالِ الَّتي يَملِكُها الأغنياءُ، فتُخرَجُ للفُقراءِ، وهي أوساخُ النَّاسِ، فإذا أُخرِجَت الزَّكاةُ يَحصُلُ الطُّهرُ للأموالِ، وكذلك هي طُهرٌ لأصحابِها عن رَذائلِ الأخلاقِ والبُخلِ.