باب ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي 2

بطاقات دعوية

باب ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي 2

 عن يحيى قال سألت أبا سلمة أي القرآن أنزل قبل قال {ياأيها المدثر} فقلت أو (اقرأ) فقال سألت جابر بن عبد الله أي القرآن أنزل قبل قال {ياأيها المدثر} فقلت أو (اقرأ) قال جابر أحدثكم ما حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال جاورت بحراء شهرا فلما قضيت جواري نزلت فاستبطنت بطن الوادي (6) فنوديت فنظرت أمامي وخلفي وعن يميني وعن شمالي فلم أر أحدا ثم نوديت فلم أر أحدا ثم نوديت فرفعت رأسي فإذا هو على العرش في الهواء يعني جبريل عليه السلام فأخذتني منه رجفة شديدة فأتيت خديجة فقلت دثروني فدثروني فصبوا علي ماء فأنزل الله {ياأيها المدثر (1) قم فأنذر (2) وربك فكبر (3) وثيابك فطهر (4) والرجز فاهجر} (7).

في هذا الحَديثِ يُخبِرُ جابِرُ بنُ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّه سمع النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو يُحدِّثُ النَّاسَ عن فَترةِ الوَحيِ، والمقصودُ بها: مُدَّةُ احتباسِ الوَحيِ وعَدَمُ تتابُعِه وتواليه في النُّزولِ على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وكان الوَحْيُ قدْ نزل في أوَّلِ الأمرِ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ثُمَّ انْقَطَع عنه مُدَّةً، ثُمَّ جاءَه جِبْرِيلُ عليه السَّلامُ مَرَّةً أُخرَى، فيُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنه بَينما كانَ يَمْشِي، فسَمِعَ صَوتًا مِن السَّمَاءِ، فرَفَع بَصَرَه ونَظَر، فوَجَد جِبْرِيلَ عليه السَّلامُ بِصُورَتِه التي جاءَه بها وهو في غَارِ حِرَاءٍ، يَجلِس على كُرسِيٍّ بيْن السَّماءِ والأرضِ، وغارُ حِراءَ يَقَعُ أعلى جَبَلِ حِراءَ على يَسارِ الذَّاهِبِ إلى مِنًى، وعلى بُعدِ ثلاثةِ أميالٍ مِن مَكَّةَ. وفي روايةٍ أُخرى: أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان مجاورًا في حِراءَ -يعني معتَكِفًا- وعندما هبط من الجَبَلِ عائدًا ناداه الملَكُ، وعندما أبصره صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جُئِثَ منه، أي: رُعِبَ وفَزِعَ منه، حتَّى وَقَع على الأرضِ. فلمَّا ذَهَب إلى زوجه أمِّ المُؤمِنينَ خَدِيجَةَ رضِي اللهُ عنها قال: «زَمِّلُونِي، زَمِّلُونِي» يعني: غَطُّونِي، فأَنْزَل اللهُ تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر: 1 - 5]، والرِّجْزُ: الأوثانُ. والمعنى: يا أيُّها الملتَفُّ المتغَطِّي بثيابِه لخَوفِه ممَّا رآه من مَلَكِ الوَحيِ، لا تخَفْ، وقُمْ فأنذِرِ النَّاسَ وخَوِّفْهم من عذابِ اللهِ إذا ما استمَرُّوا في شِرْكِهم، واجعَلْ تكبيرَك وتعظيمَك وتبجيلَك لرَبِّك وَحْدَه دونَ أحَدٍ سِواه، وصِفْه بما هو أهلُه من تنزيهٍ وتقديسٍ. والثِّيابُ هي ما يَلبَسُه الإنسانُ لسَترِ جَسَدِه، والمرادُ بتطهيرِها: تطهيرُها من النَّجاساتِ. وقيل: إنَّ المقصودَ: ونَفْسَك فطَهِّرْها من كُلِّ ما يتنافى مع مكارمِ الأخلاقِ، ومحاسِنِ الشِّيَمِ، وداوِمْ على ما أنت عليه من تَرْكِ عِبادةِ الأصنامِ والأوثانِ، ومن هَجْرِ المعاصي والآثامِ.
ثُمَّ تَتَابَع بعْدَ ذلك الوَحْيُ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وحَمِيَ، أي: اشتَدَّ وكَثُرَ نُزولُه وازدادَ.