‌‌باب ما جاء أن القارن يطوف طوافا واحدا1

‌‌باب ما جاء أن القارن يطوف طوافا واحدا1

حدثنا ابن أبي عمر قال: حدثنا أبو معاوية، عن الحجاج، عن أبي الزبير، عن جابر، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرن الحج والعمرة، فطاف لهما طوافا واحدا» وفي الباب عن ابن عمر، وابن عباس. حديث جابر حديث حسن، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم قالوا: القارن يطوف طوافا واحدا، وهو قول الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم: يطوف طوافين، ويسعى سعيين، وهو قول الثوري، وأهل الكوفة
‌‌

القِرَانُ أحدُ أنساكِ الحَجِّ الثلاثةِ، وهو الجَمعُ بينَ الحجِّ والعُمرةِ عندَ الإِحرام، وفي هذا الحديثِ يخبِرُ جابرُ بنُ عبدِ اللهِ رضِيَ اللهُ عنهما: "أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم قرَنَ الحجَّ والعُمرةَ" أي: جمَع بَينهما، "فطاف لهما طوافًا واحدًا"، والمرادُ بالطَّوافِ: الطَّوافُ بالبَيتِ، والسَّعيُ بينَ الصَّفا والمَرْوةِ مرَّةً واحدةً دون تَكرارٍ، وفي هذا الحَديثِ أنَّ نُسُكَ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في حَجَّةِ الوداعِ كان القِرانَ، ولم يمنَعْه من أن يتَمتَّعَ إلَّا سَوقُه الهَدْيَ، كما صرَّح بذلك، فقال: "لولا أنِّي سُقتُ الهديَ لأَحلَلتُ"، وأنَّ القارِنَ يَطوفُ طَوافًا واحِدًا ويَسْعى سَعيًا واحدًا للحجِّ والعُمرةِ.
وقد ورَدَتْ رِواياتٌ أُخرى صحيحةٌ في صِفَةِ نُسُكِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم وحَجِّه؛ في بعضِها أنَّه كان مُفرِدًا، وفي بعضِها أنَّه كان مُتمتِّعًا، وللعُلماءِ وجوهٌ كثيرةٌ في الجَمعِ والترجيحِ بَينها؛ ولعلَّ مِن أقربِها: أنَّ مَن نظَر إلى إحرامِه في بادِئِ أمرِه قال: مُفرِدًا، ومَن نظَر إلى نِهايةِ أمرِه قال: قارِنًا، ومِنهم مَن يقولُ: إنَّ مَن قال: إنَّه حجَّ مُفرِدًا نظَر إلى صُورةِ فِعلِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، وصُورةُ حجِّ القارِنِ لا تَختلِفُ عن صورةِ حجِّ المفرِدِ؛ فمَن نظَر إلى الصُّورةِ قال: مُفرِدًا، ومَن نظَر إلى الحَقيقةِ وأنَّه جمَع بينَ النُّسُكَين وأهدى ومنَعه هَدْيُه مِن أن يَكونَ مُتمتِّعًا؛ قال: إنَّه حجَّ قارِنًا، أو لعلَّه لبَّى مُفرِدًا في أوَّلِ الوقتِ إلى أن قيلَ له: "صلِّ في هذا الوادي المبارَكِ، وقُل: حجَّةً وعُمرةً"، فقَرَن عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، ومَن قال: تمتَّع رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، فقدْ نظَر إلى المعنى الأعَمِّ في التَّمتُّعِ، وهو الجَمعُ بينَ النُّسُكَين في سَفَرٍ واحدٍ؛ لأنَّه ترَفَّهَ وتمتَّعَ بتَرْكِ أحَدِ السَّفرَين؛ فهذا تمتُّعٌ يَشمَلُه المعنى العامُّ للتَّمتُّعِ.