‌‌باب ما جاء ما تقضي الحائض من المناسك2

سنن الترمذى

‌‌باب ما جاء ما تقضي الحائض من المناسك2

حدثنا زياد بن أيوب قال: حدثنا مروان بن شجاع الجزري، عن خصيف، عن عكرمة، ومجاهد، وعطاء، عن ابن عباس، رفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن النفساء والحائض تغتسل، وتحرم، وتقضي المناسك كلها، غير أن لا تطوف بالبيت حتى تطهر»: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه
‌‌

أنساكُ الحَجِّ ثلاثةٌ: التَّمتُّعُ؛ وهو أنْ يُحرِمَ بالعُمرةِ في أشهُرِ الحَجِّ -وهي شَوَّالٌ وذو القَعدةِ وعَشرُ ذِي الحِجَّةِ- ثم يَحِلَّ منها، ثم يُحرِمَ بالحَجِّ مِن عامِه. والقِرانُ؛ وهو أنْ يُحرِمَ الحاجُّ بالحَجِّ والعُمرةِ معًا. والإفرادُ؛ وهو أنْ يُحرِمَ الحاجُّ بالحَجِّ فقطْ.
وفي هذا الحَديثِ يَروي جابِرُ بنُ عبدِ اللهِ الأنصاريُّ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أحرَمَ هو وأصحابُه بالحَجِّ في حَجَّةِ الوَداعِ، وكانتْ في العامِ العاشِرِ مِنَ الهِجرةِ، ولم يكُنْ مع أحدٍ منهم هَديٌ، غيرَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وطَلحةَ بنِ عُبَيدِ اللهِ رَضيَ اللهُ عنه، والهَديُ اسمٌ لِمَا يُهدَى ويُذبَحُ في الحَرَمِ مِنَ الإبِلِ والبَقرِ والغَنمِ والمَعزِ.
وقَدِمَ عَليُّ بنُ أبي طالِبٍ مِنَ اليَمَنِ ومعه هَديٌ، وكان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قد أرسَلَه إلى اليَمَنِ قَبلَ حَجَّةِ الوَداعِ قاضيًا وقابضًا لِلصَّدَقاتِ، فرَجَعَ، وكان قد أهَلَّ في الطَّريقِ ونَوَى الدُّخولَ في النُّسُكِ؛ فسَألَه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بِمَ أحرَمَ، فأجابَه بأنَّه أحرَمَ بما أحرَمَ به النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِمَّن ساقَ الهَدْيَ فقَرَنَ في إحرامِه بَينَ العُمرةِ والحَجِّ، وقد أمَرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أصحابَه مِمَّن لم يَسُقِ الهَدْيَ أنْ يَحِلَّوا مِن إحرامِهم بَعدَ عُمرَتِهم حتى يَأتيَ يَومُ التَّروِيةِ (اليَومُ الثَّامِنُ مِن ذي الحِجَّةِ) فيُحرِموا إحرامًا جَديدًا للحَجِّ.
فأنكَرَ ذلك البَعضُ؛ مِن أنَّهم كيف يَحِلُّونَ مِن عُمرَتِهم ويَأتونَ نِساءَهم ثم يُحرِمونَ يَومَ التَّروِيةِ، فبَلَغَ ذلك النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال: «لوِ استَقبَلتُ مِن أمري ما استَدبَرتُ» أيْ: لو كُنتُ الآنَ مُستقبِلًا مِنَ الأمرِ ما سبَقَ مِنِّي في زَمَنٍ مَضى، والمعنى: لو تَبيَّنَ لي هذا الرَّأيُ، وهو الإحرامُ بالعُمرةِ في أشهُرِ الحَجِّ مِن أوَّلِ الأمرِ «ما أهدَيتُ» وما سُقتُ الهَدْيَ، «ولَولا أنَّ معي الهَدْيَ لَأحلَلتُ»؛ وذلك لأنَّ وُجودَه مانِعٌ مِن فَسخِ الحَجِّ إلى العُمرةِ، والتَّحلُّلِ منها، والأمرُ الذي استدبَرَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هو ما حصَلَ لأصحابِه مِن مَشقَّةِ انفِرادِهم عنه بالفَسخِ، حتى إنَّهم تَوقَّفوا وتَردَّدوا وراجَعوه.
وحاضَتْ عائِشةُ رَضيَ اللهُ عنها عِندَ دُخولِ مَكَّةَ، فنَسَكَتْ، وأتَتْ بأفعالِ الحَجِّ كُلِّها، غيرَ أنَّها لم تَطُفْ بالبَيتِ، كما أمَرَها النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فلَمَّا طَهُرَتْ طافَتْ بالبَيتِ طَوافَ الإفاضةِ، ثم عِندَ الخُروجِ مِن مَكَّةَ سَألَتِ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أتنطَلِقونَ بحَجَّةٍ وعُمرةٍ، وأنطَلِقُ بحَجٍّ مُفرَدٍ بلا عُمرةٍ مُفرَدةٍ، كما وَقَعَ لباقي النَّاسِ؟! فأمَرَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أخاها عبدَ الرَّحمنِ بنَ أبي بَكرٍ الصِّدِّيقِ رَضيَ اللهُ عنهما أنْ يَخرُجَ معها إلى التَّنعيمِ؛ لِتَعتمِرَ منه، فاعتمَرَتْ بَعدَ الحَجِّ، والتَّنعيمُ مَوضِعٌ على ثَلاثةِ أميالٍ أو أربعةِ (6 كم) تَقريبًا مِن مَكَّةَ، أقرَبُ أطرافِ الحِلِّ إلى البَيتِ، وهو أوَّلُ الحِلِّ وأقرَبُه لِمَن كان داخِلَ مَكَّةَ، ولا يَتعيَّنُ، وإنَّما يَجِبُ الإحرامُ مِنَ الحِلِّ مِن أيِّ جِهةٍ أو مَوضِعٍ كان.
وفي الحَديثِ: مَشروعيَّةُ العُمرةِ في أشهُرِ الحَجِّ.
وفيه: بَيانُ التَّيسيرِ على الحائِضِ في أحكامِ الحَجِّ، وأنَّ لها تَأخيرَ الطَّوافِ حتى تَطهُرَ.
وفيه: رَحمةُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالنِّساءِ، والرِّفقُ في مُعامَلتِهِنَّ.
وفيه: أنَّ مَن كان بمَكَّةَ وأرادَ الإحرامَ، فعليه أنْ يَخرُجَ إلى الحِلِّ ثم يُحرِمَ بالعُمرةِ.
وفيه: أنَّ المرأةَ تَخرُجُ في السَّفَرِ مع أحدِ مَحارِمِها.