باب ما جاء في القعود في المسجد وانتظار الصلاة من الفضل
سنن الترمذى
حدثنا محمود بن غيلان قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يزال أحدكم في صلاة ما دام ينتظرها، ولا تزال الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في المسجد، اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، ما لم يحدث»، فقال رجل من حضرموت: وما الحدث يا أبا هريرة؟ قال: فساء أو ضراط، وفي الباب عن علي، وأبي سعيد، وأنس، وعبد الله بن مسعود، وسهل بن سعد،: «حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح»
_________
صَلاةُ الجَماعةِ مِن أَفْضَلِ القُرُباتِ الَّتي يَتَقَرَّبُ بها العَبْدُ إلى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، حيثُ ضاعَفَ اللهُ ثَوابَها أضعافًا كَثيرةً عَنِ الصَّلاةِ مُنْفَرِدًا.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بفضْلِ صَلاةِ الجماعةِ وأنَّها تَفْضُلُ وَتَزيدُ في الأَجْرِ على صَلاةِ المنفرِدِ في عَمَلِهِ أو في بَيْتِهِ؛ بِضْعًا وعِشرينَ دَرَجةً في الأَجْرِ والثَّوابِ، والبِضْعُ: ما بيْن ثَلاثةٍ إلى تِسعةٍ، وفي الصَّحيحَينِ: «بسَبْعٍ وعِشْرينَ دَرَجةً»، وفي رِوايةٍ: «بخمْسِ وعِشرينَ»، وهذا الاختِلافُ راجعٌ لاختلافِ أحوالِ المُصلِّين والصَّلاةِ؛ فيكونُ لبَعضِهم خمْسٌ وعِشرونَ، ولبعضِهم سَبْعٌ وعِشرونَ؛ وذلك بحسَبِ كَمالِ الصَّلاةِ، ومُحافظتِه على هَيئتِها، وخُشوعِها، وكَثرةِ جَماعتِها، وفضْلِهم وشَرفِ البُقعِة.
ثُمَّ بَيَّنَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سَبَبَ أفضليَّةِ صَلاةِ الجماعةِ، فقال: «وذلك بأنَّه تَوضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضوءَ»، أي: أَسْبَغَه وأَتْقَنَه، ثمَّ خَرَجَ إلى المسجِدِ مِنْ أجْلِ الصَّلاةِ فيه لا يُريدُ غيرَ ذلِك، «لا يَنْهَزُهُ إلا الصَّلاةُ»، أي: لا يَدْفَعُهُ ولا يُحَرِّكُهُ إلا إرادةُ الصَّلاةِ في جَماعةٍ، وهذا تَأكيدٌ على خُروجِهِ لِلصَّلاةِ فقطْ وليس لأيِّ عمَلٍ آخَرَ، فمَن كان حالُه هكذا كان مِن عَطاءِ اللهِ له: أنَّه لم يَمْشِ خُطوةً وهو ذاهِبٌ إلى المسجِدِ؛ إلَّا رَفَعَهُ اللهُ بها دَرَجةً في الأجرِ والثَّوابِ، أو غَفَرَ اللهُ له بِكُلِّ خُطوةٍ يَخْطوها إلى المسجِدِ ذَنْبًا.
ثمَّ أخبَرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه لا تَزالُ الملائكةُ تَستغفِرُ وتَدْعو له مُدَّةَ بَقائِه ودَوامِه في مَسجِدِهِ الَّذي صَلَّى فيه -والمرادُ كَونُه في المسجِدِ مُنتظِرًا الصَّلاةَ- قائلةً: «اللَّهُمَّ صَلِّ عليه، اللَّهمَّ ارْحَمْه».
والمَقصودُ بِصَلاةِ اللهِ على العَبْدِ الثَّناءُ عليه عِندَ الملائكةِ في الملَأِ الأعْلى، وَقِيلَ: الرَّحمةُ والمَغفرةُ والتَّطْهيرُ، وقيل: كِلاهُما. وتَستمِرُّ الملائكةُ في دُعائِها للعبْدِ هكذا «ما لم يُحْدِثْ فيه»، أي: ما لم يُفْسِدْ وُضوءَهُ، وَقِيلَ: ما لم يَرْتَكِبْ مَعصيةً، كالغِيبةِ والنَّميمةِ، و«ما لم يُؤذِ فيه»، أي: ما لم يَصْدُرْ عنه ما يَتَأَذَّى به بَنو آدَمَ أو الملائِكَةُ. ثمَّ بيَّن النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه لا يَزالُ المُصلِّي يَأخُذُ أَجْرَ الصَّلاةِ وثَوابَها ما دامَ في مَسجِدِهِ يَنْتَظِرُ الصَّلاةَ.
وفي الحديثِ: بيانُ عِظَمِ فَضْلِ صَلاةِ الجماعةِ وكَبيرِ ثَوابِها.
وفيه: فَضْلُ الوُضوءِ في البَيتِ والخُروجِ بهذا الوُضوءِ إلى المَسجِدِ.