باب المناقب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم58-4

سنن الترمذى

باب المناقب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم58-4

حدثنا هارون بن موسى بن أبي علقمة الفروي المدني قال: حدثني أبي، عن هشام بن سعد، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قد أذهب الله عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء، مؤمن تقي، وفاجر شقي، والناس بنو آدم وآدم من تراب» هذا حديث حسن صحيح. وهذا أصح عندنا من الحديث الأول، وسعيد المقبري قد سمع من أبي هريرة، ويروي عن أبيه أشياء كثيرة، عن أبي هريرة. وقد روى سفيان الثوري، وغير واحد هذا الحديث عن هشام بن سعد، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو حديث أبي عامر، عن هشام بن سعد

كان في بَعضِ الصَّحابةِ رَضِي اللهُ عنهم في أوَّلِ الإسلامِ بعضُ مَوروثاتِ الجاهليَّةِ، والَّتي جاءَ الإسلامُ لِمَنعِها وتحريمِها ونَزْعِها مِن النُّفوسِ، ومِن تلك الموروثاتِ الافتِخارُ بالآباءِ.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "ليَنتهِيَنَّ أقوامٌ يَفتَخِرون بآبائِهم الَّذين ماتوا"، أي: إنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يأمُرُهم أن يَمتنِعوا عن الافتِخارِ بالآباءِ وما لهم مِن نسَبٍ، وذلك لِمَن مات على الكُفرِ منهم، "إنَّما هم"، أي: هؤلاءِ الآباءُ الَّذين يَفتَخِرون بهم، "فَحْمُ جَهنَّمَ"، أي: وَقودُها، "أو لَيَكونُنَّ"، أي: الَّذين يَفتَخِرون بنسَبِهم إلى أهلِ الكُفرِ، "أهوَنَ"، أي: أذلَّ، "على اللهِ مِن الجُعَلِ"، والجُعَلُ: دُوَيْبَّةٌ سوداءُ، وهي ما تُعرَفُ اليومَ بالخُنفُساءِ، "الَّذي يُدَهْدِهُ"، أي: يُدحرِجُ، "الخِرَاءَ بأَنفِه"، أي: بواسطةِ أنفِه، والخِرَاءُ: اسمٌ لهيئة ما يُخرِجُه الإنسانُ مِن فَضلاتٍ، والمرادُ: إظهارُ ما يكونُ لهؤلاء المفتَخِرين من الذُّلِّ والهوانِ عندَ اللهِ بأقلَّ مِن هذه الخنفساءِ، ثمَّ قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "إنَّ اللهَ قد أذهَب عنكم"، أي: أزالَ ورفَع، "عُبِّيَّةَ الجاهليَّةِ"، أي: ما كان مِنها مِن كِبْرٍ، "وفَخْرَها بالآباءِ، إنَّما هو مُؤمِنٌ تقيٌّ، أو فاجرٌ شقيٌّ"، أي: إنَّ المفاضَلةَ بينَ العِبادِ عندَ اللهِ عزَّ وجلَّ تكونُ على ما عند الإنسانِ مِن تَقْوى وإيمانٍ باللهِ تعالى، كما قال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13].
"النَّاسُ كلُّهم بَنو آدمَ"، أي: سَواءٌ، "وآدَمُ خُلِق مِن تُرابٍ"، أي: بيانٌ لقَدْرِ المادَّةِ الَّتي خُلِقَ منها الإنسانُ والَّتي لا تُؤسِّسُ للفَخرِ والكِبْرِ، بل للتَّواضعِ.
وفي الحديثِ: النَّهيُ عن التَّفاخُرِ والكِبرِ.
وفيه: الحثُّ على التَّقوى والتَّقرُّبِ بها إلى اللهِ تعالى.
وفيه: التَّحذيرُ مِن الفُجورِ وكلِّ ما يؤدِّي إليه.