باب المناقب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم58-3

سنن الترمذى

باب المناقب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم58-3

حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا أبو عامر العقدي قال: حدثنا هشام بن سعد، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «لينتهين أقوام يفتخرون بآبائهم الذين ماتوا إنما هم فحم جهنم، أو ليكونن أهون على الله من الجعل الذي يدهده الخراء بأنفه، إن الله أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء، إنما هو مؤمن تقي وفاجر شقي، الناس كلهم بنو آدم وآدم خلق من تراب» وفي الباب عن ابن عمر، وابن عباس: «وهذا حديث حسن»

كان في بَعضِ الصَّحابةِ رَضِي اللهُ عنهم في أوَّلِ الإسلامِ بعضُ مَوروثاتِ الجاهليَّةِ، والَّتي جاءَ الإسلامُ لِمَنعِها وتحريمِها ونَزْعِها مِن النُّفوسِ، ومِن تلك الموروثاتِ الافتِخارُ بالآباءِ.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "ليَنتهِيَنَّ أقوامٌ يَفتَخِرون بآبائِهم الَّذين ماتوا"، أي: إنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يأمُرُهم أن يَمتنِعوا عن الافتِخارِ بالآباءِ وما لهم مِن نسَبٍ، وذلك لِمَن مات على الكُفرِ منهم، "إنَّما هم"، أي: هؤلاءِ الآباءُ الَّذين يَفتَخِرون بهم، "فَحْمُ جَهنَّمَ"، أي: وَقودُها، "أو لَيَكونُنَّ"، أي: الَّذين يَفتَخِرون بنسَبِهم إلى أهلِ الكُفرِ، "أهوَنَ"، أي: أذلَّ، "على اللهِ مِن الجُعَلِ"، والجُعَلُ: دُوَيْبَّةٌ سوداءُ، وهي ما تُعرَفُ اليومَ بالخُنفُساءِ، "الَّذي يُدَهْدِهُ"، أي: يُدحرِجُ، "الخِرَاءَ بأَنفِه"، أي: بواسطةِ أنفِه، والخِرَاءُ: اسمٌ لهيئة ما يُخرِجُه الإنسانُ مِن فَضلاتٍ، والمرادُ: إظهارُ ما يكونُ لهؤلاء المفتَخِرين من الذُّلِّ والهوانِ عندَ اللهِ بأقلَّ مِن هذه الخنفساءِ، ثمَّ قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "إنَّ اللهَ قد أذهَب عنكم"، أي: أزالَ ورفَع، "عُبِّيَّةَ الجاهليَّةِ"، أي: ما كان مِنها مِن كِبْرٍ، "وفَخْرَها بالآباءِ، إنَّما هو مُؤمِنٌ تقيٌّ، أو فاجرٌ شقيٌّ"، أي: إنَّ المفاضَلةَ بينَ العِبادِ عندَ اللهِ عزَّ وجلَّ تكونُ على ما عند الإنسانِ مِن تَقْوى وإيمانٍ باللهِ تعالى، كما قال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13].
"النَّاسُ كلُّهم بَنو آدمَ"، أي: سَواءٌ، "وآدَمُ خُلِق مِن تُرابٍ"، أي: بيانٌ لقَدْرِ المادَّةِ الَّتي خُلِقَ منها الإنسانُ والَّتي لا تُؤسِّسُ للفَخرِ والكِبْرِ، بل للتَّواضعِ.
وفي الحديثِ: النَّهيُ عن التَّفاخُرِ والكِبرِ.
وفيه: الحثُّ على التَّقوى والتَّقرُّبِ بها إلى اللهِ تعالى.
وفيه: التَّحذيرُ مِن الفُجورِ وكلِّ ما يؤدِّي إليه.