‌‌باب ما جاء أن فتنة هذه الأمة في المال

سنن الترمذى

‌‌باب ما جاء أن فتنة هذه الأمة في المال

حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا الحسن بن سوار قال: حدثنا ليث بن سعد، عن معاوية بن صالح، أن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، حدثه عن أبيه، عن كعب بن عياض، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إن لكل أمة فتنة وفتنة أمتي المال»: «هذا حديث حسن صحيح غريب إنما نعرفه من حديث معاوية بن صالح»

المالُ فِتنةٌ؛ فمَن استخدمَه في طاعةِ اللهِ وسخَّره في مَرضاتِه كان المالُ نِعمةً ساعدَتْه في بلوغِ الجنَّةِ، ومَن استغلَّه في مَعصيةِ اللهِ وعَمِل فيه بما لا يُرضيه كان المالُ نِقمةً تسوقُه إلى النَّارِ.
وفي هذا الحديثِ يَقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "إنَّ لكلِّ أمَّةٍ فِتنةً"، أي: لا بدَّ لكلِّ أمَّةٍ مِن الأمَمِ مِن ابتلاءٍ واختِبارٍ بشيءٍ تُفتتنُ به ويمايِزُ بين صفوفِها، والمقصود هنا بالفِتنةِ الشَّيءُ الَّذي يَضِلُّ به الإنسانُ ويَزيغُ عن طَريقِ الحقِّ، فربَّما كان المالُ فتنةً إذا أبعَد صاحِبَه عن طاعةِ اللهِ، وربَّما كان الجاهُ فِتنةً إذا أعان على الظُّلمِ والبَغيِ وضياعِ الحُقوقِ، وربَّما كانتِ النِّساءُ فِتنةً إذا أوقعَتِ الإنسانَ في مَراتعِ الشَّهوةِ والآثامِ، "وفِتنةُ أمَّتي: المالُ"، أي: وضلالُ أمَّتي سيكونُ في المالِ؛ وذلك في الحِرصِ على جَمعِه وعدمِ المبالاةِ مِن حلالٍ أو مِن حرامٍ، وصَرفِه في المعاصي والفواحِشِ، وعدمِ إخراجِ حقِّ اللهِ فيه؛ وذلك كما كانت فِتنةُ بني إسرائيلَ في النِّساءِ فأضلَّتهم النِّساءُ وأوقعَتْهم في الفواحِشِ والرَّذائلِ، فالنَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يُوضِّحُ أنَّ فِتنةَ أمَّتِه وابتلاءَها واختبارَها وضلالَها سَيكونُ مِن جِهةِ المالِ، لا مِن جِهةِ النِّساءِ أو الجاهِ والسُّلطانِ كالأُمَمِ السَّابقة.
وفِتنةُ المالِ هي إحْدَى الفِتنِ التي ذَكرَها النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم ونبَّه على خَطرِها وحذَّرَ منها أُمَّتَه، ومِن ذلك ما في صَحيحِ البُخاريِّ، أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((قال ما تَركتُ بَعدِي فِتنةً أضرَّ على الرِّجالِ مِن النِّساءِ"، ولعلَّ تَخصيصَ فِتنةِ المالِ بأنَّها فِتنةُ هذه الأُمَّةِ دون غيرِها مِن الفِتنِ: أنَّ المالِ هو الفِتنةُ التي تُوصلُ إلى الوقوعِ في غيرِها من الفِتن أو إلى كثيرٍ منها، كما في الصَّحيحينِ أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((واللهِ ما أخافُ عليكم أنْ تُشرِكوا بَعْدي، ولكنْ أخافُ عليكم أن تَنافَسوا فيها فتَهلِكوا كما هلَك مَن كان قَبْلَكم))؛ فأخْبَرَ أنَّ التنافُسَ على المالِ والدُّنيا سببٌ في الهلاكِ.
وفي الحديثِ: التَّحذيرُ مِن فِتنةِ المالِ التي تَشغَلُ عن طاعةِ اللهِ وتُلهي عن المعروفِ، ولا يُعمَلُ فيه بما أرادَ اللهُ.