باب ما جاء أن للنار نفسين، وما ذكر من يخرج من النار من أهل التوحيد1
سنن الترمذى
حدثنا محمد بن عمر بن الوليد الكندي الكوفي قال: حدثنا المفضل بن صالح، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اشتكت النار إلى ربها وقالت: أكل بعضي بعضا، فجعل لها نفسين، نفسا في الشتاء، ونفسا في الصيف، فأما نفسها في الشتاء فزمهرير، وأما نفسها في الصيف فسموم ": «هذا حديث حسن صحيح، قد روي عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه والمفضل بن صالح ليس عند أهل الحديث بذلك الحافظ»
الجنَّةُ والنَّارُ مِن خَلْقِ اللهِ القادِرِ على كلِّ شَيءٍ، وقدْ أخَبَرنَا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بِكثِيرٍ مِن أوصافِهِمَا تَرغِيبًا وتَرهيبًا، وَلِبيانِ عَظَمةِ الخالقِ سُبحانه وقدرَتِه؛ ليتَذَكَّرَ النَّاسُ ويخافُوا ويَعملُوا.
وفي هذا الحديثِ إخبارٌ عن بَعضِ أوصافِ النَّارِ- أجارَنا اللهُ منها بفَضلِه ورَحمتِه- حيثُ يقولُ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "اشتَكَتِ النَّارُ إلى ربِّها" وهي شَكوى بلِسانِ المقالِ على الحَقيقةِ، ونظيرُ ذلك في القُرآنِ قوله تعالى: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} [ق 30]، حيثُ جعَلَ اللهُ فيها بقُدرتِه إدراكًا حتَّى تَتكلَّمَتْ، "وقالت: أكَلَ بَعضي بَعضًا"؛ مِن شِدَّةِ حرَارَتِها وزَمهرِيرهَا، وما فِيها مِنَ المتضادَّاتِ وأَنواعِ العَذابِ؛ ما يَجعلُها مُزدحمةً مُضْطربةً، "فجعَلَ لها نَفَسينِ" والنَّفَسُ هو النَّفْخَةً وما يخرُجُ من الجوفِ؛ "نفَسًا في الشِّتاءِ، ونفَسًا في الصَّيفِ؛ فأمَّا نفَسُها في الشِّتاءِ فزَمهريرٌ" والمُرادُ بالزَّمهريرِ شِدَّةُ البرْدِ، واسْتُشْكِلَ وُجودُه في النَّارِ ولا إشكالَ؛ لأنَّ المُرادَ بالنَّارِ محَلُّها، وفيها أنواعٌ مِنَ العَذابِ، ومِنه طبَقةٌ زَمهريريَّةٌ، "وأمَّا نفَسُها في الصَّيفِ فسَمومٌ"، وهو أشَدُّ الحرِّ.
وفي الحديثِ: إثباتُ بعضِ صِفاتِ النَّارِ.
وفيه: بَيانُ أنَّ الحرارةَ والبرْدَ من أصنافِ العذابِ في جهنَّمَ.