باب ما جاء أن للنار نفسين، وما ذكر من يخرج من النار من أهل التوحيد8
سنن الترمذى
حدثنا سويد قال: أخبرنا عبد الله، عن يحيى بن عبيد الله، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما رأيت مثل النار نام هاربها، ولا مثل الجنة نام طالبها»: " هذا حديث إنما نعرفه من حديث يحيى بن عبيد الله، ويحيى بن عبيد الله ضعيف عند أكثر أهل الحديث؛ تكلم فيه شعبة، ويحيى بن عبيد الله هو: ابن موهب وهو مدني "
مِن حِكمةِ اللهِ تعالى أنَّ الجنَّةَ مَحفوفةٌ ومُحاطةٌ بالمكارِهِ، وأنَّ النَّارَ محفوفةٌ ومُحاطةٌ بالشَّهواتِ، وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم مُتعجِّبًا ممَّن لا يَخْشى الآخِرةَ: "ما رأيتُ مثلَ النَّارِ"، أي: ما رأيتُ أمرًا مثلَ أمرِ النَّارِ والخوفِ منها ومِن عذابِها، ومع ذلك "نام هارِبُها"، أي: إنَّه ليس مُنشغِلًا بالهُروبِ منها بعَملِ الطَّاعاتِ والبُعدِ عن المعاصي؛ فمع أنَّ النارَ شديدةٌ فالهارِبون منها نائِمون، والذي يَنبغي للهارِبِ مِن عذابِ النارِ أن يَفِرَّ مِن كلِّ الشرورِ إلى رِحابِ طاعةِ اللهِ سبحانه، "ولا مِثْلَ الجنَّةِ"، أي: ولا رأيتُ مِثلَ حالِ الجنَّةِ وما فيها، والرَّغبةِ في دُخولِها والحِرصِ عليها، ومع ذلك "نامَ طالِبُها"، أي: حالُه مِثلُ حالِ الخائفِ مِن النَّارِ؛ فهو لا يَستَزيدُ مِن عَملِ الطَّاعاتِ الَّتي يُبيِّنُ بها حِرصَه على الجنَّةِ وبها يَدخُلُها؛ فإنَّ مَن عرَف ما أعدَّ اللهُ فيها للعاملين لم يفتُرْ عن عَملِه، ولم يُلهِه النومُ، فيجِدَّ كلَّ الجدِّ في امتِثالِ الأوامرِ واجتناب النواهي؛ ليدركَ الجَنَّةَ,
وفي الحديثِ: الحثُّ على عَملِ الطاعاتِ وعدمِ التكاسُلِ.
وفيه: تنبيهُ الغافلين وتَخويفُهم وتَذكيرُهم بالنَّارِ التي يَنبغي الهروبُ منها.