باب ما جاء أنه يصلي الصلوات بوضوء واحد
عن سليمان بن بريدة، عن أبيه، قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة، فلما كان عام الفتح صلى الصلوات كلها بوضوء واحد ومسح على خفيه»، فقال عمر: إنك فعلت شيئا لم تكن فعلته، قال: «عمدا فعلته». هذا حديث حسن صحيح، وروى هذا الحديث علي بن قادم، عن سفيان الثوري، وزاد فيه: «توضأ مرة مرة». وروى سفيان الثوري هذا الحديث أيضا، عن محارب بن دثار، عن سليمان بن بريدة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ لكل صلاة»، ورواه وكيع، عن سفيان، عن محارب، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه. ورواه عبد الرحمن بن مهدي، وغيره، عن سفيان، عن محارب بن دثار، عن سليمان بن بريدة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا وهذا أصح من حديث وكيع، والعمل على هذا عند أهل العلم: أنه يصلي الصلوات بوضوء واحد ما لم يحدث، وكان بعضهم يتوضأ لكل صلاة استحبابا، وإرادة الفضل
الدِّينُ الإسلاميُّ ذو شَريعةٍ سَمحةٍ وأحكامٍ مَبنيَّةٍ على التَّخفيفِ واليُسرِ والسُّهولةِ، لا على العَنَتِ والمَشقَّةِ والضِّيقِ على العِبادِ، فما كلَّفَهم رَبُّهم إلَّا بما يَقدِرونَ عليه، ورفَعَ عنهم ما فيه حَرَجٌ، فلم يَتعبَّدهم به.
وفي هذا الحديثِ يَروي بُريدةُ بنُ الحُصيبِ الأسلميُّ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صلَّى الصَّلواتِ كلَّها بوُضوءٍ واحدٍ يومَ فَتحِ مكَّةَ، وكانَ في السَّنةِ الثَّامِنةِ منَ الهِجرةِ، وكان من عادةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أن يَتوضَّأَ لكلِّ صلاةٍ، كما عندَ أبي داودَ، وأيضًا مَسَحَ على خُفِّيه دُونَ خَلْعِهما لغَسلِ رِجلِه عندما أرادَ الوُضوءَ، والخُفُّ: حِذاءٌ من جِلدٍ يَستُرُ القَدَمَ، فلمَّا رأى عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه ذلك الفِعلَ مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ استَفسَرَ منه عنه، فقالَ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «لقدْ صَنَعْتَ اليومَ شيئًا لم تَكُنْ تَصْنَعُه»، فبَيَّنَ له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه تَعمَّدَ فِعلَ ذلك؛ ليَعلَمَ النَّاسُ أنَّ إتيانَ المُسلِمِ الفَرائضَ الخَمسَ على وَقتِها وهو مُحافِظٌ على وُضوئه الأوَّلِ؛ مَشروعٌ، وأنَّه لا يُشتَرَطُ الوُضوءُ لكلِّ صَلاةٍ، وهذا منَ التَّخفيفِ والتِّيسيرِ على النَّاسِ في أمرِ الوُضوءِ.
وفي الحديثِ: مُراقبةُ الصَّحابةِ رَضيَ اللهُ عنهم فِعلَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ليَقتدُوا به.
وفيه: جَوازُ مَشروعيَّةِ سُؤالِ المفضولِ الفاضِلَ عن بعضِ أعمالِه الَّتي في ظاهرِها المخالَفةُ للعادةِ؛ لأنَّها قد تكونُ عن نِسيانٍ فيَرجِعُ عنها، وقد تكونُ تَعمُّدًا لِمَعنًى خَفِيَ على المفضولِ فيَستَفيدُه.
وفيه: مَشروعيَّةُ المَسحِ على الخُفِّينِ.