باب فضائل القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم3-2
سنن الترمذى
حدثنا الحسن بن عرفة قال: حدثنا إسماعيل بن عياش، عن بحير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن كثير بن مرة الحضرمي، عن عقبة بن عامر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الجاهر بالقرآن، كالجاهر بالصدقة، والمسر بالقرآن، كالمسر بالصدقة»: «هذا حديث حسن غريب، ومعنى هذا الحديث أن الذي يسر بقراءة القرآن أفضل من الذي يجهر بقراءة القرآن، لأن صدقة السر أفضل عند أهل العلم من صدقة العلانية، وإنما معنى هذا عند أهل العلم لكي يأمن الرجل من العجب، لأن الذي يسر العمل لا يخاف عليه العجب ما يخاف عليه من علانيته»
العِباداتُ كلُّها يَنبَغي أن تَكونَ خالِصةً لوجهِ اللهِ، ولا يُطلَبَ بها الرِّياءُ ولا السُّمعةُ ولا التَّفاخرُ بينَ النَّاسِ؛ لأنَّ اللهَ غنيٌّ عن كلِّ ذلك، وإنَّما يَقبَلُ مِن تلك العباداتِ ما كان خالِصًا لوجهِه سبحانَه.
وفي هذا الحديثِ يَقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم: "الجاهرُ بالقرآنِ"، أي: الَّذي يَرفَعُ صوتَه بالقرآنِ في القِراءةِ، وخاصَّة أمامَ النَّاسِ؛ "كالجاهرِ بالصَّدقةِ"، أي: مِثلُ المُجاهِرِ المُعلِنِ لصَدقتِه أمامَ النَّاسِ "والمُسِرُّ بالقرآنِ كالمُسِرِّ بالصَّدقةِ"، أي: مَن يقرَأُ في سِرِّه ويتَدبَّرُ بعَقلِه مِثل الَّذي يُخفِي صَدَقتَه عن أعيُنِ النَّاسِ، والإسرارُ أفضلُ في حَقِّ مَن يَخافُ الرِّياءَ؛ لأنَّ الإسرارَ أبعدُ عن الرِّياءِ؛ فإنْ لم يَخَفْ، فالجهرُ أفضلُ بشَرْط ألَّا يُؤذِي غيرَه ولا يتأذَّى بقِراءتِه أحدٌ كمُصلٍّ أو نائمٍ أو غيرِهما، والعملُ في الجَهرِ أكثرُ، ويَتعدَّى نفْعُه إلى غيرِ القارئِ؛ ويُوقِظُ قلبَ القارِئ، ويَجمَع همَّه إلى الفِكر، ويصرِفُ سمْعَه إليه؛ ويطرُد النومَ، ويزيدُ في النشاط؛ فمتَى حضَره شيءٌ من هذه النِّيات؛ فالجهرُ أفضلُ؛ فإذا كان الجهرُ يترتَّبُ عليه مصلحةٌ، فهذا الجهرِ أوْلَى، وإذا لم يَكُن في الجَهرِ مَصلحةٌ فالإسرارُ أَوْلَى، فهذا أفضلُ مِن هذه الناحيةِ. وقيل: ما كان فيه التدبرُ أتمَّ فهو الأفضلُ.
وفي الحديثِ: مدْحُ الإسرارِ بالعِباداتِ معَ إخلاصِها للهِ.
وفيه: بيانُ أنَّه لا أجْرَ لِمَن يُرائِي بعِلْمه وقِراءَتِه.